نحن والحاجة إلى الإعلام الزراعي

لمّا كانت الزراعة مصدرا حياتيا غذائيا في الدرجة الأولى لحياة الإنسان، ومصدريا اقتصاديا تجاريا لجلب الأموال، ومصدرا بيئيا وجماليا، فقد احتلت موقعا مهما في اقتصاديات بلدان العالم. يضاف إلى ذلك ما للزراعة من ارتباط وثيق بالصناعة، حيث أن كثيرا من الصناعات تقوم على مصادر زراعية، من مثل صناعة الأخشاب، والقطن، والزيوت النباتية.

ومن هنا فدور الزراعة في حياة الإنسان وفي اقتصاديات أي بلد من البلدان أعظم من أن يوصف بمجموعة من الكلمات. وكما للإعلام دوره الرئيس في التوجيه الصناعي والتجاري والاجتماعي والتعليمي والتربوي، و… كذلك فإن له دوره البارز والمؤثر في تشجيع الزراعة، وفي إرشاد المواطن في المجال الزراعي، وخلق المعرفة والتوجه الزراعيين الذين هما عاملان مؤثران في عملية النهوض بالزراعة. ولا أدري هل من الصحيح عزو ندرة ذلك إلى شحة المياه في بلدنا، لتكون هي السبب وراء ندرة الإعلام في المجال الزراعي؟ يبدو لي أنه مع الإمكانات المائية المتاحة، يمكن للزراعة والخضرة أفضل وأكثر انتشارا، بشرط توافر مجموعة من الأمور، منها التوجه الزراعي ووجود المعرفة الزراعية، وخلق التوجه في المواطن نحو الزراعة والشعور بأهميتها.

وانطلاقا من أهمية ذلك الدور للزراعة جاز لنا أن نتساءل : إلى أي مدى تحتل الزراعة ما يناسبها في إعلامنا؟ بنظرة سريعة إلى برامج الإذاعة والتلفزيون، يبدو أنها تكاد تخلو من شيء إسمه الزراعة والتوجيه نحوه. ولا يُدرى إن كان من الصحيح عزو ذلك إلى شحة المياه في بلدنا، وأن قلة المياه هي من الأسباب وراء ندرة الإعلام الزراعي، وخلق التوجه في المواطن نحو الزراعة والشعور بأهميتها.

إن نشر الزراعة والتخضير في بلدنا يبدو أمرا ملحًّا، خصوصا مع معرفتنا بأهمية الزراعة كمصدر غذاء، وبأنها مصدر حماية للبيئة، وبالتالي حماية للإنسان نفسه. فالمعلوم أن للزراعة دورا بارزا ومؤثرا في التخفيف من وطأة شدة الحرارة، والتقليل من التصحر الذي هو من العوامل ذات التأثير الملحوظ في ارتفاع درجات الحرارة.

وعليه، كما هو المواطن بحاجة إلى برنامج يرشده إلى الاهتمام بصحته، أو إلى كيفية التعامل مع زوجته وأبنائه، والتعامل مع الطاقة الكهربائية والمائية – على سبيل المثال – فهو بحاجة إلى برنامج يعلمه كيف يكون زراعيا : كيف يخلق الرغبة الزراعية في نفسه، كيف يزرع، كيف يتعامل مع النبات، كيف يشذبه، ويسمد التربة، وكيف ينميه، وكيف يحميه من الآفات الضارة، وكيف يستثمره ويكثره، كيف يجعل من بلده جنة خضراء كما فعل الآخرون.

وكل ذلك  – بلا أدنى شك – يحتاج إلى البرنامج الزراعي والثقافة الإعلامية، وإلى عملية التنسيق بين الجهة المكلفة بالاهتمام بالجانب الزراعي في البلد وبين المؤسسات الإعلامية من إذاعة وتلفزيون وصحف ومجلات وغيرها. وبعبارة أخرى: وجود البرنامج الزراعي والإعلام المرشد والمهيئ لانتقال ذلك البرنامج إلى أرض الواقع. إن وجود إعلما يهتم بالجانب الزراعي من شأنه أن يستقطب المواطن ويشده ويحفزه نحو الزراعة والاهتمام بها في حياته، كم من شأنه أن يحول ذلك الاهتمام إلى جزء من شخصيته وتركيبته النفسية والاجتماعية.

إن كل مواطن يحب لبده أن تعود جنة خضراء كما كانت جنة من النخيل والبساتين والمياه العذبة. وما من شك في أن بلادنا ما كانت لتنقلب جنة خضراء في الزمن الخالي لولا إحساس الإنسان فيها بأهمية الزراعة ودورها الضروري في حياته، وإن كانت حاجة الإنسان في تلك الأيام للزراعة كانت تغنيه عن أي إعلام، مع العلم بتواضع الأجهزة الإعلامية في ذلك الوقت قياسا إلى وقتنا هذا، حيث هو عصر الإعلام والمعلومات، وحيث شعور الإنسان بالزراعة كان مرتبطا بحياته، أي أنه كان شعور وجود، وبالتالي كان أكبر دافع وإعلام له نحو الاهتمام بالزراعة. أما اليوم وقد انتشر العمران، وازداد التوجه في الاستثمار فيه على حساب الجانب الزراعي، فأصاب الزراعة ما أصابها من انحسار، بل وضعف التوجه الزراعي عند الإنسان ترتبا على ذلك.

ومن هنا على طريق الأخذ ببلادنا نحو التخضير، لابد من صياغة ثقافتنا تجاه الزراعة من جديد. وبعبارة أخرى نحن بحاجة إلى ثقافة زراعية تجعلنا مسؤولين عن بيئتنا، ونحس فعليا بأهمية الزراعة كمصدر غذاء وثروة طبيعية، ودورها في حماية تلك البيئة، وأن تتحول تلك الثقافة إلى جزء لا يتجزأ من مكونات شخصيتنا، وأن نتعاون أفرادا، وجماعات ومؤسسات في هذا السبيل، وأن يكون شعارنا الأخضر دائما هو : من أجل بلد أخضر، لنتثقف زراعيا ولنزرع.

بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد

19/8/1999م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى