الكيفية في الإنجاب ومشكلات التناسل الكمّي

في عددها الصادر يوم الأحد 27 يوليو 1997 قرأت في صحيفة أخبار الخليج الحلقة الثاني من ملف التزايد السكاني المنفلت في البحرين، وكانت الحلقة عبارة عن مقابلة مع مدير التخطيط بوزارة الكهرباء والماء الدكتور نبيل المسقطي. وخلاصة المقابلة أن الزيادة السكانية إذا استمرت على ما هي عليه سينجم عنها إشكاليات كبرى في المجتمع البحريني بحلول عام 2010، حيث من المتوقع أن يصل عدد السكان إلى مليون و17 ألف نسمة.

وتشير الدراسات إلى أنه إذا استمر معدل الإنجاب الحالي على حاله فإن المياه الجوفية الصالحة للاستخدام قد تنضب نهائيا بحلول ذلك العام في مواجهة طلب متوقع لذلك العام يصل إلى 175 مليون جالون يوميا بعجز مائي يبلغ من 15-20 مليون جالون يوميا. وبالنسبة للكهرباء سيصل الطلب في ذلك العام إلى 2135 ميجاوات قياسا إلى 536 ميجاوات للعام الحالي.

في مقالي هذا سأشير إلى الجانب الآخر من مخاطر الإنجاب العشوائي غير المنظم، وهو الجانب المتمثل في الأخطار الاجتماعية التربوية والسلوكية التي تنجم عن تضييعنا للكيفية في التناسل وانسياقنا وراء الكم.

في البدء لابد لنا من نظرة عقلائية واقعية على أساسها نتعامل مع موضوع الإنجاب بطريقة موضوعية.. نظرة تأخذ بعين الاعتبار الإمكانات العائلية (الأسرية) بصورة خاصة والإمكانات المجتمعية بصورة عامة. فمن غير الصحيح أن يتم تعاملنا مع الإنجاب والتناسل بصورة سطحية، تلقي بالكاهل على الغيب، في حين أن الباري – عز وجل – يؤكد لنا في آياته الكريمة على أن الاعتماد والتوكل عليه ينبغي أن يسير جنبا إلى جنب مع ضرورة السعي والعمل والتدبير والتقدير والتخطيط في الحياة ((وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)).

إنه لمن المؤسف أن الكثير منا حينما تتحدث معه عن أهمية الكيفية في الإنجاب ومشكلات الكمية في ظل الإمكانات الأسرية والمجتمعية المحدودتين، يواجهك بأن المولود يأتي ورزقه مضمون معه، وأنه لا داعي للقلق من هذا الجانب، في وقت أن كثيرين ينجبون بصورة مفتوحة وإمكاناتهم المالية بل والتربوية لا تستوعب سوى نفقات وأتعاب أنفسهم وزوجاتهم وثلاثة إلى أربعة أطفال فقط. والبعض حينما تتحدث معه عن عامل التربية وضرورته في بناء الطفل وتنشئته، يواجهك بكل سذاجة بأن لا داعي للقلق أيضا، فهو سيربي نفسه بنفسه، وبالمحصلة يعيش الطفل مظلوما ويدفع المجتمع الثمن والضريبة غاليا من وراء ذلك.

والبعض الآخر منا يحمِّل قدواتنا العظام مسئولية كثرة الإنجاب باعتبارهم الداعين إلى ذلك، اعتمادًا على ظاهر النصوص فقط، وترك مضامينها غير الظاهرة، أوإهمال الاجتهاد في إطارها. لابد أن نضع في اعتبارنا أن قدواتنا العظام حينما يتناولون موضوع التباهي بين الأمم بكثرتنا فهم يتباهون بنا ويفخرون حينما نكون بحق أفرادا صالحين ذوي سيرة حسنة وسلوك مشرِّف. إن قدواتنا العظام لا يتباهون بين الأمم بأجيال من المدمنين والمهرّبين واللصوص ومحترفي الجريمة وأصحاب الانحراف الخلقي حتى وإن كانت هذه الأجيال تشهد بالشهادتين. إن الكم يعد مفخرة وموضع مباهاة إذا كان يحقق بُعد الكيف.. بُعد المضمون والجوهر.

ومن أجل ثقافة إنجابية صحيحة إننا بحاجة إلى وعي يمكّننا من ترشيد الإنجاب.. وعي يمكنّنا من أن ننتج أفردا نستطيع أن نتحمل نفقاتهم المالية ومسؤولياتهم التربوية، ليكونوا بحق لبنات صالحة لمجتمعهم، ولنجنب مجتمعنا الكثير من المخاطر التي تنجم عن الإنجاب العشوائي. وعليه إذا كان الكم مع الكيف متعذرا فالكيف هو الأفضل. أن أُنجب أربعة أطفال وأنا قادر على إعالتهم وتربيتهم تربية صالحة أفضل من أنجب عشرة وأنا لست قادرا على ذلك.

إن كل واحد منا – في أسرته – يمكن أن يسهم في إيجاد هذا الوعي، ولا جدال في أن الشخص الواعي هو مسئول أكثر من غيره في هذا المجال. إن الشاب الواعي والشابة الواعية يمكن لكل منهما أن يمارس دوره في نشر ثقافة ترشيد الإنجاب في داخل العائلة وخارجها، لكي نسهم بذلك في تحقق أمرين: مجتمع صالح، وحياة كريمة يسودها الرفاه لنا ولأولادنا.

بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى