الإيمان وحقيقة التوافق بين القول والفعل
من أهم الدروس والأخلاقيات التي ينبغي لنا أن نستفيدها من نهضة الإمام الحسين (ع) التوافق بين القول والفعل، بين الإيمان والعمل، وهو من مقتضيات الإيمان، وهكذا كان سيدنا ومولانا أبو عبد الله (ع). ومن أخطر الحالات التي يمكن أن يصاب الواحد منا بها أن تكون له سلوك وسيرة تختلف عما يؤمن به ويقتنع ويقول، بعبارة أخرى: يقول شيئا ويفعل شيئا آخر، أو يقول ما لا يفعل. وقد تناول القرآن الكريم هذه الحالة، وذمها بأشد الذم في قول الله تعالى: ((يا أيها الذين لآمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)). إن الله سبحانه وتعالى لا يحب ذلك الإنسان الذي يناقض ما يؤمن به ويقول ما لا يفعل، ويمقته أشد المقت، ويمقت ذلك الإنسان الذي يتصور نفسه خارج دائرة التوجيه والتكليف والمسؤولية.
ويبدو أن ثمة خللا ثقافيا ربما لا يلتفت بعضنا إليه، وهو تصور النفس دائما خارج دائرة التوجيه والإرشاد والحاجة إلى التكامل، وقد يكون مرجع هذا الخلل إما لتقصير تربوي ثقافي، أو لقصور شخصي أو لحالة من الأنانية أو الرومانسية أو الجهل تجعل صاحبها خارج دائرة التكليف والمسؤولية. ومثال هذا أن يحضر الواحد منا إلى المنبر ويستمع إلى المواعظ، ويتفق نظريا معها، ويشارك في المواكب العزائية، ويتصور أن الكلام موجه إلى غيره وليس إليه هو كذلك. وتكون النتيجة أن يكون له سلوك وسيرة تخالف ما كان يستمع إليه ويؤمن به، وهنا يتحول الإيمان إلى مجرد مظهر وديكور. وما قيمة أن يستمع الإنسان إلى الرشاد ويقول به، لكن سيرته تخالف ذلك الرشاد؟ ولا فرق في هذا بين مستمع وخطيب. إن هذا المسلك هو ازدواجية في الشخصية وفصل شديد بين الإيمان والتطبيق. وإذن ما قيمة حضورنا إلى المنبر أو المحفل إذا كنا لا نطبق ما نستمع إليه من مواعظ وأخلاقيات، أو تصورنا أن غيرنا هو المقصود بالموعظة الحسنة ولسنا نحن؟!
هناك أفراد يمكن أن نعبر عنهم بأنهم شطّار ومهرة في التلون وفي لبس مسوح الإيمان، فتجد الواحد منهم إذا حضر إلى المنبر أو المسجد رأيت عليه إمارات الإيمان والخشوع، ولكنه إذا خلا بنفسه وشهواته أو سافر إلى خارج بلده انقلب شخصا آخر، وكما يقال: يلعب على الحبلين! إننا إذا كنا كذلك –والعياذ بالله- يكون مثلنا مثل ذلك العالم الذي يلبس مسوح الإيمان ولكنه في الواقع شخص متهتك، متناقض مع مقتضيات الإيمان والعلم والأخلاق والقيم. يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في هذا المعنى: ((قصم ظهري رجلان: عالم متهتك وجاهل متنسك، هذا ينفّر بتهتكه وهذا يضر الناس بتنسكه)). والعالم هنا ليس بالضرورة أن يكون فقيها أو رجل دين -إذا جاز التعبير- بل كل إنسان على درجة من المعرفة ويدعي الإيمان، وتكون أفعاله مناقضة لأقواله وإيمانه.
ويقول (ع): ((اتقوا معاصي الله في الخلوات فإن الشاهد هو الحاكم)). ويعني ذلك أن المؤمن إذا أراد أن يختبر خوفه وخشيته من ربه، فإن ذلك يتبين حينما يخلو بنفسه ويكون بعيدا عن أنظار الناس والاجتماع بهم. بين الناس قد يتظاهر المتظاهر بالتقوى والخوف من الله وخشيته وبالورع عن محارمه، وقد يلبس مسوح الإيمان، وقد يرائي، ولكنه إذا خلا بنفسه ينكشف مدى خوفه من الله وخشيته له. ولكي تكون أقوالنا متوافقة مع إيماننا وأقوالنا، لابد أن نحمل أنفسنا على الخوف من الله وخشيته حين الخلوة بأنفسنا قبل أن نكون بين الناس.
بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد
محرم 1426