في رحاب مدرسة سيد الشهداء (ع) عن موقف الناس بين مصالح الدنيا والدين
قال الإمام الحسين (ع) في مسيره إلى كربلاء: ((إِنَّ هذِهِ الدُّنْيا قَدْ تَغيَّرَتْ وَتَنَكَّرَتْ، وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ وَخَسِيسُ عَيْشٍ كَالْمَرْعَى الوَبِيلِ. أَلا تَرَوْنَ أَنَّ الحَقَّ لا يُعْمَلُ بِهِ، وَأَنَّ البَاطِلَ لا يُتَنَاهَى عَنْهُ، لِيَرْغَبْ المُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ اللهِ مَحِقًّا، فَإِنِّي لا أَرَى المَوْتَ إِلا سَعَادَةً وَلا الحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلا بَرَمًا. إِنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيا وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ، يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَائِشُهُمْ، فَإِذَا مُحِّصُوا بِالبَلاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ)) – ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص245.
طبع الدنيا تغير وتبدل وتنكر، وانتقال من حال إلى حال، وما أشد وطأتها على الإنسان حينما يدبر معروفها، ويدرك أنها حفنة، زائلة فانية بعد حين، وما أشد المرارة عليه حينما يرى بعينه وبكلّه سيادة الباطل ونكران الحق وتجاهله. وما أعظم الشهادة في سبيل الله على حق، وما أجمل الموت في سبيل الحق، وما أتعس الحياة وأشقاها تحت نير الذل والهوان والبرم وسيادة الباطل وعبودية الدنيا.
لست في هذه العجالة في معرض الاستغراق في النهل من معين هذه الكلمة التاريخية لسيد الشهداء الإمام الحسين (ع)، فالأسطر لا تبدو كافية لذك مطلقا. ولكني أكتفي –بإيجاز- بالنظر والتأمل إلى الجزء الأخير منها لأقول: طبع الإنسان أن يسعى وراء تدبير قوته ومعيشته في هذه الحياة، ليبقى يمارس حياته وأهدافه، وهكذا شاءت له مشيئة الباري تبارك وتعالى، والدين نظام لهذه الحياة، ينظم الواجبات والحقوق ومتعلقاتها. ولكن السوء الذي ليس هناك سوء مثله أن ينقلب الدين إلى لغو ولعق على الألسنة، وعبودية لحطام الدنيا، فيُستخدم دثارا وشماعة وآلة لدر المصالح غير المحقة. ولا فرق في هذا بين من يرتدي لباس الإيمان ويحوّل الدين إلى ناقة حلوب ومركب إلى جلب المصالح غير المحقة، وبين من هو على الكرسي ويستخدم الدين مبررا وغطاءاً لسياساته غير الصحيحة وغير القويمة، كما كان يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.
إن في الدين والتزامه مصلحة حقة وأكيدة للإنسان، ومن السوء أن تكون علاقة الإنسان بالدين علاقة مصلحية، بالمعنى غير المحق للمصلحة، كأن يجعل من الدين مركبا إلى المصالح الباطلة، مادية أو معنوية، أو حبالة أو فخًّا لاصطيادها، أو كأن يجعل عبادته لله وخضوعه له على حرف (أي على طرف) كما عبر عن ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ)). (سورة الحج-الآية 11)
بقلم: رضا علوي السيد أحمد
محرم 1428