الحب: المبدأ العظيم في مدرسة الإمام الحسين (ع) ونهضته الخالدة

في نهضته العظيمة وفي مدرسته المباركة، يعلمنا سيد الشهداء وأبو الأحرار الإمام الحسين (ع) الحب في أرقى صوره ومعانيه، حينما نجده يبكي في يوم عاشوراء، وحينما يُسأل عن السبب، يجيب بأنه يبكي على أولئك القوم المخدوعين بالباطل الذين يدخلون النار بسبب القبول بالتجيش لقتله. إنها قمة المشاعر والقيم الأخلاقية أن يرأف الإنسان بعدوه الذي يريد قتله وإبادته ظلما وعدوانا، أو انقيادا لقوة متجبرة وطاغية. ولماذا قال ذلك الشهيد من أنصار أبي الأحرار (ع): حب الحسين أجنني؟ هل هو مجرد حب الشخص لذات الشخص، أم للقيم والمبادئ التي يحملها؟ لقد أجنه حب الحسين (ع) لأنه عايش عمليا معه كيف يتجلى ذلك الحب في صوره الرائعة في شخصية الإمام وسيرته. صحيح أنه إبن رسول الله (ص)، وحب ذلك الصاحب الشهيد له كحبه لجده رسول الله (ص)، ولكن هذه المكانة لم تقف مانعا أمام سيد الشهداء من التضحية بالروح والجسد في سبيل الرسالة وفي سبيل المبادئ والقيم. إنه حب القيم والمبادئ، وليس حب الأجساد، وما قيمة الأجساد إذا لم تتوفر على قيم ومبادئ سامية تعيشها وتناضل من أجل تحقيقها؟

ما أحوجنا إلى قيمة الحب، وما أحوجنا إلى أن نستلهم هذه القيمة العظيمة من سيرة الإمام الحسين (ع) ونهضته الخالدة. يعلمنا سيد الشهداء وأنصاره الشهداء الميامين (رضوان الله عليهم) أن المجتمع مثله مثل شجرة لا تزدهر ولا تينع إلا بماء الحب وري معينه العذب، ومن واجبنا أن نرعى هذه الشجرة برعاية هذا المورد العظيم وهو الحب، وتلك هي مسؤولية كل واحد منا. ولم نسمع –ولن نسمع- عن مجتمع ازدهر في ظل الأصرار والأغلال النفسية وإبطان الحقد والضغائن والكبت والشنآن والبغضاء والتحامل. وكلما ازدهر الحب بين أفراد المجتمع ازدهر المجتمع نفسه، علاقة طردية يلمسها عمليا كل ذي عقل لبيب وضمير منفتح. يعلمنا سيد الشهداء شفافية الحب بكل معانيها، هذه الشفافية التي ما إن تحل في قلب إلا وتحوله إلى وردة لا يمل الناظر من الدنو منها والنظر إليها واستنشاق أريجها العبق. ولينظر كل واحد منا في نفسه وليرى مع حضوره مراسم إحياء ذكرى سيد الشهداء وشعائرها هل يتعمق فيه الحب ومعانيه، فإن كان بالإيجاب فهذا من ثمرات الإحياء الحقيقي النقي الخالص، وإن كان بالنفي فلا قيمة في إحياء لا يكرس الحب ويعمقه. وما قيمة الإحياء إذا تحول إلى مجرد شكل وديكور يحضر وينتهي ثم يحضر وينتهي في دورة متعاقبة دون أن يغير ما بأنفسنا إلى الأفضل والأحسن؟

حينما نحضر إلى مجالس الإحياء هي فرصة جميلة لنا لأن نفتح قلوبنا على بعضنا البعض، وأن نزيل عنها ما قد يعتريها من الشوائب المكدرة لمبدأ قيمة الحب. وهذا من حب الحسين (ع) بحق، فبمقدار ما نحب بعضنا البعض فنحن نحب الحسين، وهذا من مضامين الإحياء الحقيقي لذكرى نهضته. الحسين (ع) لا يريد للحب أن ينقلب في ما بيننا إلى مجرد ديكور شكلي يلامس شفاهنا وألسنتنا لكنه لا يمس قلوبنا وضمائرنا. دعنا نقيم إحياءنا على الحب ودعائمه، ودعنا نقمع كل ما قد يتسلل إلى أنفسنا من رغبات غير إيجابية في سبيل تعميق مبدأ الحب وتكريسه في ما بيننا، فنحن بدون الحب لا قيمة لنا، وانتصارنا لأنفسنا في تكريس خلافه لن ينفعنا شيئا. ها هو الإمام الحسين (ع) في ذكرى نهضته الخالدة يريد أن يروينا بكأس الحب التي شرب منها من مدرسة جده رسولنا الكريم (ص) ومن سيرة أبيه أمير المؤمنين، وبالحب يمكن لنا أن نكون أصدقاء الإمام الحسين (ع) وأنصاره والمحيين بإخلاص لذكرى نهضته الخالدة.

بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد

محرم 1425

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى