الإصلاح جوهر نهضة الإمام الحسين عليه السلام

قال سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي (ع) محددا غايته من نهضته التاريخية: ((إني لم أخرج بشرًا ولا بطرًا ولا ظالمًا ولا مفسدًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر…)

يؤكد أبو الأحرار في كلمته الخالدة أن الإصلاح هو الغاية التي تحرك من أجلها، ودفع في سبيلها دمه وضحى بكل ما عنده، وهكذا كان الأنصار الذين استشهدوا بين يديه. وباعتبارنا نتأسى بالإمام الحسين وأنصاره، ينبغي أن يكون الإصلاح نصب أعيننا دائما، الإصلاح بمعناه الواسع الشامل. حينما يدخل الواحد منا إلى مجالس الإمام الحسين (ع) ينبغي أن يطـرح على نفسه هذا السؤال: ماذا تعني هذه المجالس بالنسبة لي، وأين أنا من مبدأ الإصلاح الذي نهض من أجله سيد الشهداء؟ ثم بعد ذلك ينبغي له أن يتمثل ذلك المبدأ في واقعه، ويعمل على ممارسة الإصلاح جهد ما يستطيع، ابتداء من نفسه، إذ عليه أن يصلح نفسه بتزكيتها وتقريبها من الصلاح، وإبعادها عن الفجور، ثم ينبغي له أن يمارس الإصلاح في أسرته، ثم بين أصدقائه، ثم في مجتمعه المحلي، ثم في مجتمعه العام. وهكذا فإن إحياءنا لذكرى الإمام الحسين ينبغي أن يتوجه إلى مبدأ الإصلاح، وبقدر ما نكون جادين في تمثل هذا المبدأ العظيم نكون قد اقتربنا من القيمة العظيمة لنهضة الإمام الحسين (ع) ومبادئها الخالدة.


إحياء ذكرى الإمام الحسين (ع) بين الشكل والمضمون

تشترك معظم الأعمال -إن لم يكن جميعها- في احتوائها على شكل مضمون. وشكل العمل -كما هو معلوم- يعني وجهه وظاهره، بينما مضمون العمل يعني باطنه أو لبابه أو محتواه. وإن كان مطلوبا في الشكل أو الظاهر أن يكون حسنا وجذابا، فلا يجوز أن يكون بديلا عن المضمون والمحتوى. وهذا الأمر ينبغي أن نطبقه ونسير عليه في إحياء ذكرى الإمام الحسين (ع). فإذا كان الشكل أو المظهر مطلوبا فيها، فلا يجوز أن يكون عوضا عن لبابها ومضمونها ومحتواها، وهو الأهم. ومن هنا فإحياء الذكرى لا ينبغي أن يكون مقصورا على المظاهر، بل لابد أن يتوجه إلى تلك المبادئ والقيم والمثل التي نادى بها الإمام الحسين (ع) وجاهد واستشهد من أجلها، على طريق تمثلها وتطبيقها في واقعنا. فإعجابنا بالخطيب -كمثال- لا ينبغي أن يجعلنا نقف عند حد المظهر، بل لابد أن نطرح على أنفسنا هذه الأسئلة -وهي الأهم- حينما نحضر إلى المأتم ونستمع إلى الخطيب: لماذا نحن هنا؟ وما الفائدة التي جنيناها من هذا الخطيب أو ذاك؟ وكيف نستفيد منه في واقعنا المعاش؟ وهكذا. وعلى هذا فالخطيب -على سبيل المثال- صوتا وموضوعا، وقصائد ومسيرات العزاء وغيرها هي ليست هدف في حد ذاتها، بل هي وسائل – وهكذا ينبغي أن تكون- للوصول إلى ذلك المحتوى و اللباب والمضمون في نهضة الإمام الحسين (ع). أن تكون وسائل وطرق لتمثل مبادئ الإمام في واقعنا العملي والحياتي، وما أحوجنا في واقعنا وفي حياتنا إلى تلكم المبادئ والقيم!


المنبر بين البكاء والطرح الفكري والتربوي والأخلاقي والحياتي

لنهضة الإمام الحسين (ع) من مجموعة أبعاد بعدان بارزان: هما البعد المأساوي، والبعد الرسالي. والأول هو البعد الذي يذكرنا بالموقف التاريخي المتمثل في خسة ودناءة الظالمين ووحشيتهم في التعامل مع أهل الحق، وفي الطريقة البربرية التي قتلوا بها الإمام الحسين وأنصاره وسبوا حريمه وأهل بيته. والثاني هو البعد الذي يذكرنا دائما بأن وراء نهضة الإمام رسالة، وهذه الرسالة هي رسالة المبادئ والفكر والمعرفة والثقافة والوعي والتربية والأخلاق والقيم و والمثل والمطالبة بالحقوق والدفاع عنها. وإذا كان من الحسن لنا أن نبكي على الإمـام الحسين ونتذكر سيرة مقتله وأنصاره، وندين الظالمين ونستنكر أفعالهم الجائرة، فلا يعني أن إحياء الذكرى هو مجرد البكاء أو قصره عليه، الأمر الذي يعني أكادة التوازن بين البعدين. إن البكاء هو جزء إحياء الذكرى، وما بعد البكاء أهم وأهم وأهم. المبادئ والفكر والوعي والثقافة والمعرفة والأخلاق والقيم والمثل وتطبيقها في الواقع الفردي والاجتماعي هي الجزء الأكبر أهمية في نهضة الإمام. وعلى هذا يمكن القول أن قصر المنابر على البكاء -وتهميش البعد الرسالي- هو حكـم عليها بالجمود ومجانبة للتفعيل. ومن هنا فإننا بحاجة إلى ثقافة ومناخ يعزز الطرح الرسالي على المنبر، ويعزز انعكاس البعد الفكري والثقافي والأخلاقي والمبدئي في ساحة الواقع الفردي والاجتماعي.


نحن ونهضة الإمام الحسين (ع) والسلوك الحضاري

من أبرز الدروس التي ينبغي أن نتعلمها من نهضة الإمام الحسين (ع): السلوك الحضاري، السلوك الذي ينهل من المدرسة التي صدر عنها الإمام، وهي مدرسة الإسلام: الإسلام الذي هو بحق اعظم مدرسة سلوكية على وجه الأرض على وجه الإطلاق. ومن السلوك الحضاري الذي دعت إليه مدرسة الإسلام ونهضة الإمام: حب الخير للآخرين، وصلاح ذات البين، والنظم والنظام. لقد قرأنا تاريخ النهضة الحسينية، وهو يذكرنا بأن الإمام الحسين (ع) بكى حتى على أعدائه في يوم عاشوراء، ولما سئل عن السبب أجاب بأنه يبكي عليهم لأنهم يدخلون النار بسببه، وتلك كانت ممارسة حضارية فريدة تعبر عن عميق الرغبة في الإصلاح. إلى هذه الدرجة يعلمنا الإمام أن نحب الناس وأن نحسن معاملتهم ونخلص في خدمتهم. كما تعلمنا النهضة الحسينية النظم والنظام، وما أكثر النصوص التي جاء بها الإسلام في هذا السبيل. هاهو أمير المؤمنين، أستاذ ومعلم قائد النهضة الحسينية يقول في وصية له لولديه الإمامين الحسن والحسين (ع) : ((أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم)). ومن هنا فالمنابر ومراسم الذكرى ينبغي أن تعلمنا ونتعلم منها خشية الله، وحب الناس وحب الخير لهم، وصلاح ذات بيننا، والنظم والنظام. مآتمنا ومواكبنا ينبغي أن تكون منظمة بما للنظام من معنى، ومن صور النظام: رعاية النظافة والترتيب. أن نتعلم هذا المبدأ: أن نحافظ على نظافة منطقتنا بدل أن نلوثها اتكالا على آخـرين سيقومون بالتنظيف. ولذا من المقترح أن تزود المواكب ومسيرات العزاء بثقافة وبخدمة استقبال وجمع الفضلات مثل العلب الفارغة وما شاكلها للحفاظ على نظافة البيئة.


كيف نستفيد من مجالس الخطابة الحسينية؟ 

من الأمور الهامة التي ينبغي أن نعيها فيما يتصل بإحياء ذكرى نهضة سيد الشهداء (ع) أن مجالس الخطابة المنبرية هي ليست للحشو وملء الفراغ، وإنما ينبغي أن تكون تلك المجالس معتمدة على معايير أبرزها اختيار الخطيب الجاد، الجيد، المتمكن في الطرح الفكري والتثقيف والتوعية والتربية والإرشاد والقدرة على الاستقطاب والتأثير. ولذا، ينبغي التأني والتروي فـي اختيار الخطباء، فليس من هب ودب يصلح لأن يكون خطيبا، ومن الخطباء -مع الأسف- من يتخذ الخطابة تجارة، ووسيلة للحصول على أكبر قدر ممكن من المال في مدة وجيزة. وكم من خطيب تحضر مجلسه وتخرج منه ولم تحظَ إلا بمجموعة من الأشعار المتكررة! وهذا يقودنا إلى التساؤل: من هو الأولى باختيار الخطيب؟ وبكلمة: أن الأولى في اختيار الطيب أن يكون موكولا إلى الأشخاص الذين يمتلكون حسًّا اجتماعيًّا وقدرة معرفية، ويستشعرون هموم المجتمع وحاجاته ومشكلاته، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى -ومع توفر الخطيب المتمكن الجيد- تحتاج مجالس الخطابة المنبرية إلى مستمع جيد، مستمع يحضر إلى مجلس الخطابة وهو يضع نصب عينيه موضوع الاستفادة العملية من هذه المجالس ومحاضراتها. ومن الأمور الجيدة -بل من الممارسات الراقية- أن يصطحب المستمع معه إلى هذه المجالس مفكـرة جيبية صغيرة وقلما، ليدون ما يحتاجه، وما يراه مهما من المعارف والنقاط التي يطرحها الخطيب، ليستفيد منها ويفيد بها غيره. وبهذا التدوين-فضلا على الاستماع- تنمو معرفة الإنسان وثقافته وتحفظ وتُفَعَّل. ألم يدعونا ديننا الحنيف بتقييد المعرفة بالكتابـة بقوله: ((قيدوا العلم بالكتاب)). ومن ناحية ثالثة، ينبغي أن نهتم بالكيفية (أو النوعية) في إحياء الذكرى وليس بالكمية فقط، وخصوصا فيما يتعلق بمجالس الخطابة، فليس مهما كم مجلسا نقيم؟ ولكن الأهم ما هي الاستفادة العملية من ذلك؟ فهلا نحسن الاستفادة من هذه المجالس؟


أطفالنا وإحياء ذكرى نهضة الإمام الحسين (ع)

أطفالنا هم شباب الغد ورجال المستقبل، وحضورهم في إحياء الذكرى الحسينية حضور ملحوظ وملموس، ومن هنا ينبغي أن يحظون منا بما يعطيهم -بكفاية- المعرفة والثقافة والوعي بهذه الذكرى الخالدة. ينبغي لكل منا أن يسهم -ما استطاع- في صناعة هذا الوعي وتلك الثقافة لأطفالنا الأحبة. ينبغي أن نعلمهم لماذا إحياء الذكرى، ولم حضور المجالس الخطابية، ولم مسيرات العزاء. ينبغي أن نعلمهم أخلاقيات الإمام الحسين (ع) منذ نعومة أظفارهم، ينبغي لمجالس الخطابة المنبرية أن تتناول هذا الموضوع الغائب أو شبه الغائب. ليبدأ الواحد منا بأطفاله، وبالقريبين منه وهكذا حتى تتسع الدائرة. إن من الأمور المؤسفة -بل المؤلمة- أن يحضر الأطفال مجالس إحياء الذكرى وهم لا يدرون ما الهدف مـن وراء ذلك؟ ينبغي أن نعلمهم كيف يستفيدون عمليا من هذه الذكر الخالدة في حياتهم.

بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد

24/3/2000م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى