مولد الإمام الحسن المجتبى: الحب حياة المجتمع وأرضية العلاقات الاجتماعية المتماسكة

يا آل بيت رسول الله حبكم … فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الشأن أنكم … من لا يصلي عليكم لا صلاة له

آبائي الكرام، إخواني الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من وسط أجواء الشهر الفضيل الروحانية، ومن روح فيوضه النورانية، وفي مولد الحب،  مولد الصلح والسلم والتسامح، مولد سيد شباب أهل الجنة الحسنِ بن علي بن أبي طالب (ع)، اسمحوا لي أن أقف في خدمتكم، لأقدم لكم باقة من التهاني والتبريكات في هذه المناسبة المباركة العطرة، داعيا وراجيا الباري تبارك وتعالى أن يجعلنا جميعا من المستفيدين من هذه الأيام الفضيلة، ومن المستلهمين لدروس الحياة من هذه الشخصيات الفذة، وأن يجعل أيامنا زاخرة بالأفراح والمسرات، وأن يرزقنا النجاح والتوفيق ويجعل غدنا أفضل من يومنا هذا، وأن يجعل خواتيم أعمالنا خيرا.

حديثي إليكم -أيها الحفل الكريم، أيها الأحبة- عن الحب، هذا المخلوق الورديّ الجميل الذي لا يستغني أي منا عنه، هذا المخلوق الوضاء المتوهج الذي بدونه تمسي الحياة كالنفق المظلم الموحش، أجل.. إنه الحب، إنه أعظمُ مفتاح للقلوب، إنه ذلك الميل أو تلك الرغبةُ التي يستمتع الواحد منا بحلاوتها وبطعمها وبعذب رحيقها، ويشعر بالمتعة  واللذة والسعادة وبالاستقرار والاطمئنان. وهل لا يريد الواحد منا إلا أن يكون محبوبا في حياته وفي أوساط بني نوعه وهم الناس؟ ألا يريد الواحد من أن يكون شيئا مذكورا بينهم؟

أجل -أيها الأحبة- كل واحد منا يريد أن يكون محبوبا في حياته، فالحاجة إلى الحب غريزة فطرية موجودة في أعماق كل واحد منا بلا استثناء. ولكن كيف الطريق إلى الحب؟

إن الحب -أيها الآباء والإخوة – صناعةٌ وفنٌ ينبغي لنا أن نتعلمهما. فكما يتعلم الواحد منا صناعة القراءة والكتابة، أي كما يتعلم كيف يقرأ ويكتب، كذلك يمكنه بل ينبغي له أن يتعلمَ صناعةَ الحب، أن يتعلم كيف يحب. وليس عيبا أن يتعلم هذه الصناعةَ وهذا الفنَ من لا يُجيدُهما ومن يحتاجُ إليهما، وكلنا بحاجة ماسة إلى الحب، هذا المخلوق الروحي العظيم. ولكن أي حب؟ إن الحب كائن عظيم ورحب، سعته سعة هذه الدنيا، ويحتاجه كل البشر على وجه الإطلاق، إنه زادُهم وقُوتُهم الذي لا تستغني أرواحُهم وأجسادُهم وحياتُهم عنه، ولعظمته فقد تعرض لتشويهات وتحريفات كبرى، من أبرزها ذلك المفهوم المشوه للحب الذي غزينا  به من الآخر المادي، أي من الحضارة المادية، حيث أشاعوا وكرسوا فيما بيننا أن الحُب هو في كلمة “Love” التي إما أن تكون بصورة مبهمة أو ضبابية وبعيدة عن قيم الحب السامية، أو مقترنة بالحب البهيمي الذي يزين لنا المرأة على أنها هدف لممارسة الحب المتمثل  في الرغبة الجنسية من دون حدود وقيود. ولقد دفعنا وما زلنا ندفع ثمنا باهظا من جراء هذا المفهوم المشوه والخطير في ذات الوقت للحب. إن هذا الثمن يتمثل في الحجم الكبير للانحرافات الأخلاقية والسلوكية التي تعج بها المجتمعات البشرية والتي  تعود في جزء كبير منـها إلى ذلك المفهوم المشوه للحب.

إذاً،  كيف الطريق إلى صناعة الحب؟

 إن الحب وفق المنظار الإلهي ينطلق من جذر حب الله سبحانه وتعالى الذي هو أعظم محبوب ومحب لنا. وهل حق المحب وجزاؤه إلا تقديم الحب له؟ أن نحب الله الذي خلقنا وبرأنا من العدم، أن نرتبط به في كل الأحوال، وأن نؤسس كل عمل نقوم به -صغر أم كبر- على مرضاته والتقرب إليه، وأن نشعر أنفسنا دوما، في كل زمان ومكان، في السر وفي العلن، في الخلوة وفي الظهور، بمراقبته وهيمنته علينا، وأن نوفر في شخصياتنا صفات أولئك الذين مجدهم في كتابه العزيز ووصفهم بقوله تعالى: ((والذين آمنوا أشد حبا لله)).

إن تقوى الله في الخلوات هو أصدق معيار لحب الإنسان لخالقه تبارك وتعالى، فإذا أراد الواحد منا أن يكون محبا لخالقه ومحبوبا من لدنه سبحانه، واجبه أن يتقيه حينما يكون حاضرا أمام أنظار الناس، وحينما يخلو بنفسه، حينما يكون بعيدا عن أنظار الناس، حينما يسافر، حينما يكون في طريق أو زقاق ويرى الإغراء والتزيين أمامه. وكمثال على خوف الله وتقواه في الخلوات، لينظر الواحد منا هل أنه يحب أخاه حينما يكون غائبا عنه، هل يحفظه في مغيبه، هل يُجلُّه ويقدره في غيبته، أم أن الحب يقتصر على مجرد التظاهر بالحب حين حضور الأخ، فهذا ليس من الحب في شيء. أن تحب أخاك يعني أن يكون لك نفس الشعور والإحساس تجاهه في الحضور والغياب، لا أن تبتسم له في المحضر، وحينما يولي عنك تطعنه بسيوف النقد الهدام الذي يؤلمه ولا يرضى عنه.

ومن فيوض هذا الحب (أي حبنا لخالقنا تبارك وتعالى) يأتي حبنا لأنفسنا، وحبنا للناس؟ وما هي النفس؟ وكيف يحب الواحد منا نفسه؟ ومن هم الناس؟ وكيف نحبهم؟ النفس كما يعلم كل واحد منا هي أقرب قريب لنا، وأعز صديق علينا، وحبها يعني -باختصار- إعطاءَها حقوقَها، وإلزامَها بواجباتها. حبها يعني تهذيبَها وتزكيتَها وتربيتَها على فعل صالح الأعمال، وترك قبيحها. حبها يعني أن نَلجُمَها بلجام الخوف من الله وبالمحاسبة. وهذا الشهر الفضيل -شهر رمضان المبارك- هو فرصة ذهبية روحية لنا في ذلك، وكل أيامنا فرص لنا لكي نحاسب أنفسنا ونزكيها ونربيها على فعل الخير وترك الشر، فعل الحسن وترك القبيح، فـ((اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل)) كما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع). إن النفس التي هي أقربُ صديقٍ للإنسان قد تتحولُ إلى أعدى عدوٍّ له فيما إذا تركها وأهملها، ولم يمدْ لها يدَ الرعاية، والتهذيبِ والتقويمِ والمحاسبةِ والتزكية. إنها تتحول إلى أكبر عدو حينما يُفرط في حبها، ويجعلُها مركبا للإفراط في حب الذاتِ والتكبرِ والغرورِ والأنانيةِ والحقدِ والحسدِ وكلِّ الصفات الرذيلة، ويستسلم وينقاد لأهوائها الشيطانية. ولذا جاء في النصوص الشريفة بما معناه ((أعدى أعداء ابن آدم نفسه التي بين جنبيه))، وجاء في الكتاب العزيز قوله تعالى : ((قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها)). وخلاصة القول أن حبَّنا لأنفسنا يعني تطهيرَها وتزكيتَها ووضعَها على طريق الفلاح والنجاح.

ومن حب النفس إلى حب الناس، حب البشر الذين هم إما إخوان لنا في الدين أو نظراءَ لنا في الخلق. فمن هم الناس؟ الناس هم أنا وأنت، هم أقرباؤنا، والدينا، زوجاتنا، أولادنا، بناتنا، أخوالنا، خالاتنا، عماتنا وغيرهم من ذوي القربى والأرحام نزولا وصعودا. حبنا لوالدينا يعني أن نُحسنَ إليهم، ونبرَّهم، وأن نخفِض لهم الجناح، وأن نمدَّ لهم يدَ الرعاية، وخصوصا في كِبرهم وشيخوختهم، لأنهم أصولنا، ولولاهم لم نكن لنأتي إلى هذه الحياة. أن نحب زوجاتِنا يعني أن نقدرهن، أن نقدر هذه المسكينة التي ربطت مصيرها بمصيرنا، أن نعطيها حقوقها، ولا نستصغرَها أو نهينَها أو نؤذيها بسيئ الكلام ، أن نحميها، أن نتشاور معها ونتبادل الآراء، أن ندخل على قلبها الشعورَ بالبهجة والسعادة. وحبنا لأولادنا (أبنائنا وبناتنا) أن نعطيهم حقوقهم، أن نحسن تربيتهم، وأن نتعب من أجلهم، أن نعطيهم الوقت الكافي من التربية، وأن نجلس معهم ونتحاور فيما يهمهم، أن نوجه صداقاتِهم بصورة سليمة ونعينهم على اختيار الأصدقاء الصالحين، وأن نرشدهم ونوجههم كيما يكونوا بشرا أسوياء، ولكي نجنبهم الوقوع في براثن المغريات ومطبات الانحرافات السلوكية والأخلاقية. وأن نحب أقاربنا يعني أن نصلهم ونتواصل معهم ما استطعنا، وأن نساعدهم ما استطعنا، وأن نقف إلى جانبهم ما استطعنا.

والناس هم أصدقاؤنا، زملاؤنا في العمل، رفقاؤنا في السفر والحضر، هم كل من جمعنا وإياهم المقام من الناس الطيبين. إن حبنا لهم يتمثل في الدرجة الأولى في إعطائهم حقوقهم، في احترامهم، وتقديرهم، وإجلالِ شخصياتهم، وإشعارِهم بالأهمية، في تقدير أفعالهم الصالحة، وفي شكرهم والثناء عليهم، وفي إسداء الرأي والنصح لهم وقتما دعت الحاجة إلى ذلك، في حفظهم في مغيبهم، وفي تشجيعهم وبث روح الإيجاب فيهم، وإدخال الشعور بالسعادة إلى نفوسهم.

ومن أجل أن نصنع الحب ينبغي أن نعرف الناس الذين سنمارسُ الحبَ معهم، أن نعرف من نحب؟ والناس أمام الحب على أصناف : منهم من يحبك بإخلاص، ومنهم من يبغضك ويكرهك بوضوح، ومن هم من يُظهر لك الحب والود ويبطن لك الحقد والضغينة،  ومنهم من يحبك ولكنه لجهل منه قد يكرهك أو لا يرضى عنك. والنوع الأول هو حبيبك الحقيقي، هو الإنسان النقي الذي فتح قلبه إليك، ويمكنك أن تعتمد عليه. إنه يحبك بإخلاص،  ويظهر ذلك في سلوكه وتصرفاته معك، يظهر ذلك في قسمات وجهه، وكلمات لسانه، يظهر ذلك في بسماته وإشراقة وجهه إزاءك، يظهر ذلك في ميله تجاهك ورغبته إليك، وفي تعاونه معك، وحفظه لك والوقوف إلى جانبك والدفاع عنك وإن كنت غائبا. والنوع الثاني هو عدوك الواضح، الذي تشعر بعداوته لك من خلال مواقفه الواضحة منك، من كلماته تجاهك، من قسماته إزاءك، من صدوده عنك، من مظاهر العداوة والبغضاء التي يثيرها تجاهك، من المشاكل التي يحاول اختلاقها لك، ومن المواقف السلبية التي يتخذها منك. والنوع الثالث هو المنافق، وذو الوجهين واللسانين الذي يُظهر لك حبا وهو يبطن لك كرها أو حقدا. ويشمل هذا النوع المصلحي والانتهازي الذي يقدم لك صورة حب ولكن عينه على المصلحة والمنفعة التي يريد أن يقتلعها منك، يريد أن ينتفع منك وكفى، ولا يعير اهتماما لحبه لك، وهذا النوع (أعني النوع المنافق الذي يظهر لك حبا ويبطن لك بغضا أو كرها) هو أخطر الأنواع، ومشكلة المشاكل في المعاملات والعلاقات الاجتماعية.

أما النوع الرابع فهو الذي يحبك ولكنه غير راض عنك -وربما يكرهك- لجهل منه، كأن يكرهَك على أمر لا يستحق الكره.  وإذا سمح لي الآباء الكرام والإخوان الأحبة أن أتوقف قليلا عند هذا النوع من المحبين من الناس. هذا النوع من الناس يعيش شعورا سلبيا تجاهك، لكنه لا يفصح لك عنه، ويلجأ إلى الكبت في النفس عليك، وتكوين الأغلال النفسية تجاهك، إن في نفسه شيئا عليك وأنت لا تدري ما السبب. إنه لا يأتي إليك ويفتح صدره ويقول: المسألة كيت وكيت والأمر كذا وكذا، بل يظل يعيش حالة برود معك، مبنية على موقف سلبي اتخذه منك، وأنت لا تدري ما الأمر، أو أنك تدري به، ولم تكن قد أسأت إليه. إن هذا النوع من الناس يحتاج لأن ينفتح عليك وتنفتح عليه لكي تطلع منه على ما يدور بداخله تجاهك، لتتعرف على سبب ذلك البرود في العلاقة وضعف الحب، وترشده وتصحح مفاهيمه عن الحب وطربقة التعامل بناء على مبدأ تبادل الحب وشيوعه بين الإخوان والنظراء كقاعدة عامة، وهل الدين إلا الحب؟

إن قسما منا يحتاج إلى تصحيح مفهوم الحب لديه، وأول الأمور في ذلك التصحيح هو توسيع دائرة ذلك الحب، وعدم إبقائها ضيقة. وكمثال على تضييق دائرة الحب، هنالك منا من لا يتحمل أي نوع من الاختلاف مع الآخرين، وإن أي اختلاف -وإن كان صغيرا- بينه وبين الطرف الآخر يعني مواجهة الطرف الآخر بالموقف السلبي، وربما بالكره والحقد والبغضاء، والكبت والغل في النفس. إنه لا يتحمل أي نوع من الاختلاف، حتى في الآراء وفي وجهات النظر، إنه يريد الآخرين أن يكونوا نسخا طبق الأصل منه في طريقة التفكير، وفي جميع السلوك والتصرفات، بل ربما حتى في طريقة قضاء وقت الترفيه والترويح عن النفس كمثال. إنه يريد أن يفرض طريقته عليك، لأنه يتصور أن هذه الطريقة هي الصحيحة وما سواها خاطئ. إن هذا المفهوم للحب يحتاج إلى تصحيح، إذ ينبغي أن نعود أنفسنا على حب حتى من يختلف معنا. وقدوتنا وأسوتنا في ذلك رسولنا الكريم (ص)، وأئمتنا العظام (ع).هذا إمامنا الحسين بن علي (ع) في يوم كربلاء نجده يبكي، وحينما يُسأل عن السبب في بكائه يجيب : ((أبكي على هؤلاء القوم لأنهم يدخلون النار بسببي))، يبكي على أعدائه الذين حاربوه وقتلوه وأنصاره ومحبيه بطريقة هي في منتهى الوحشية والبربرية. أنا لا أقول أن نبرر للآخرين أعمالهم القبيحة باسم الحب، فالجمال جمال، والقبح قبح، والخير خير، والشر شر، لأن تبرير تلك الأعمال يعني تشجيع أصحابها عليها. ولكن المقصود أنه بالإضافة إلى أننا مطالبون بأن نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر في مجتمعنا بالطريقة الصحيحة والفنية وعلى حسب الاستطاعة، باليد أو باللسان أو بالقلب ، بالإضافة إلى ذلك ينبغي لنا أن نستثمر الإيجاب والقيمة الإيجابية للحب في التعامل حتى مع من يختلف معنا في الرأي أو في السلوك، بل وحتى مع ذوي السلوك والتصرفات المذمومة. وهنا ليس من المبالغة القول بأن قسما من المنحرفين أخلاقيا وسلوكيا يحتاجون من ضمن ما يحتاجونه منا على طريق إصلاحهم، إلى الحب والإشعار بالحب، إذ أن كثيرا من هؤلاء قد عانوا في طفولتهم من العنف والقسوة والتحقير والتجاهل والإهمال في التربية والجوع العاطفي، وبإشعارهم بالحب يتم إشباع ذلك الجوع، فيكون ذلك بمثابة الجسر إلى قلوبهم وكسب ودهم، والمرحلة الأولى على طريق إصلاحهم وتغييرهم إلى الأفضل.

والأمر الثاني في صناعة الحب وممارسته مع الناس ومع من يستحقه منهم، أنه ليس هناك وصاية لأحد على أحد، إذ ليس هناك رئيس ومرؤوس في السلوك الشخصية وفي الحياة كأفراد، والإنسان يمتلك الحرية في اختيار ما يريد، مع العلم بأن الحرية الصحيحة تقتضي احترام الحدود والقيم وفي مقدمتها حقوقُ الآخرين ومشاعرُهم.

والأمر الثالث في صناعة الحب أن نتحلى بالتوازن في الحب. ولا يعني هذا أن نقصر في حب من نحب أو أن نبخل عليه بالحب. لنغدق عليه من حبنا، وفي ذات الوقت أن نتكامل معه، ونتناصح. إن من النقاط الهامة في مسألة التوازن في الحب أن نعلم أن الحب قد يعمي صاحبه، فـ”الحب يَعمي، أو الحب أعمى” كما يقول المثل السائر، أي أن الحب قد يَعمي المحب عن أمور مذمومةٍ أو غير صحيحةٍ أو غير مقبولةٍ موجودةٍ في الشخص المحبوب. وكما أن الحب يَعمي، كذلك الكره قد يَعمي أيضا. بمعنى أن الإنسان قد يكره شخصا لاختلاف في أمر ما، أو لسوء تفاهم حدث بينه وبينه، فيدعوه ذلك إلى ظلمه، وبخسه، والتنكر لكل إيجابياته، وتجاهل كل صفاته الحسنة وأعماله الجيدة، والنظر إليه من زاوية نقطة الخلاف فقط، أو الموقف السلبي الذي حدث بينه وبينه. إن هذا الكره هو أعمى أيضا، لأنه يضيق دائرة الحب إلى حد بعيد، ويتنكر لإيجابيات الآخرين.

والأمر الرابع في صناعة الحب أن ندرك ونعي أن للحب أعداؤه، وواجبنا أن نحذرَها وندفعَها عن أنفسنا، ومن أبرز تلك الأعداء : الأنانية والإفراط في حب الذات، والحسد، والغيرة السلبية، والحقد، وإيجاد الفرقة بين الناس، واختلاق المشاكل فيما بينهم، ونشر وإشاعة الأفكار والأجواء السلبية ضد الأشخاص والجماعات. وأود التركيز هنا على مسألة الغيرة السلبية التي هي صورة من صور الحسد، فهناك أناس لا يتحملون أن يتقدم من بينهم إنسان، أو يبرز في مجال ما، في علم أو تجارة أو صناعة أو كفاءة أو فن من الفنون، فتجدهم يحاولون وأده وهو حي، أي يحاولون وأد كفاءاته بالموقف السلبي منه، أو بإشاعة الأجواء السلبية ضده، وهذا من أبشع وأسوأ الأعمال، فلان متكبر، فلان متعالٍ، فلان كذا وكذا وهكذا.

أيها الحفل الكريم، آبائي وإخواني الأفاضل ! إن كل واحد منا في هذا الشهر المبارك وفي هذه المناسبة الجليلة مدعو إلى أن يوسع من دائرة حبه للناس، وأن يذيب جليد الخصومات والعداوات والحواجز النفسية والغيرة السلبية والأغلال الداخلية-إن وجدت-بينه وبين الآخرين، ويتوسل بالانفتاح والتفاهم والحوار والتسامح معهم، وفي هذا وسيلتنا إلى التقدم إلى الأفضل. من كان بينه وبين الآخرين نوع خصام، أو سوء تفاهم، أو حالة عدم رضى، فليبادر إلى الصلح، فليبادر إلى الحب والتخلص من الحقد والأغلال النفسية التي تشكل ضغطا سلبيا قويا على الإنسان روحا وجسدا. وليعلم كل واحد منا أن المبادرة في الصلح والحب ليست ضعفا بل هي قوة وقبل كل شيء هي فضيلة. وكم هي روعة تلك اللحظات، حينما يجلس الأخ مع أخيه ويذوب ركام الجليد بينهما، وتعود المياه إلى مجاريها بينهما. إنها حقا لحظات في منتهى العذوبة والحلاوة.

إن كل واحد منا في هذا الشهر الفضيل وفي هذه المناسبة المباركة مدعو إلى أن يقوي جانب الحب في نفسه للآخرين، أن يتسامح معهم، أن يعذرهم، بل أن يختلق لهم الأعذار حين التقصير فيما يتعلق بالمعاملات والعلاقات الاجتماعية التي لا يترتب عليها ترك واجب أو إتيان محرم. جعلنا الله جميعا من المتحابين والمتآلفين الذين عبر عنهم الرسول الكريم بقوله (ص): ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد

6/4/2000م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى