آراء ونظرات عن التجديد في طرق وأساليب إحياء الذكرى

لماذا الإنسان بحاجة إلى التجديد؟ وهل التجديد أمر حسن مطلقا؟ وهل من السليم التجديد في طرق وأساليب إحياء ذكرى الإمام الحسين (ع)؟ وهل واقع الإحياء هو بحاجة إلى تجديد؟

بنظرة تاريخية متأملة وعامة، يجد الإنسان أن الحياة تخضع للتغير والتبدل والتطور، وأن الأمور لا تبقى على حالها، الأمر الذي يؤكد أن التغير سنة قائمة في الوجود. من هنا كان الإنسان بحاجة إلى التغيير والتجديد للتكيف مع ظروف الحياة ومتغيراتها، والوصول إلى الأفضل. مع العلم بأن هناك تغييرات إلزامية أو قهرية لا يمكن الخروج عنها، وهناك تغييرات اختيارية في متناول اختيار الإنسان، والتجديد يدخل ضمنها.

مع هذا، ليس كل تجديد اختياري هو حسن في حد ذاته، فقد يؤدي تجديد ما في جانب ما إلى الخروج عن دائرة ما ينبغي فعله، ودائرة ما ينبغي فعله تشمل كل أمر حسن وجميل ومقبول لدى العقلاء، وربما أدى تجديد ما إلى خروج عن الواجب أو إلى كارثة اجتماعية. وتتجلى خطورة التجديد حينما يؤدي إلى تمييع قيمة أخلاقية أو الانحراف عنها أو مناقضتها. ومن هنا فالتجديد ليس هدفا في حد ذاته، بل هو تقدير موضوعي غايته بلوغ الأفضل والأحسن، فإن كان التجديد يؤدي إلى الأفضل والأحسن ورعاية ما ينبغي فعله، فنعم هو، وإلا فلا. وعليه، فليس من السليم أن يتحول التجديد إلى غاية في نفسه.

ولنربط موضوع التجديد بموضوع إحياء ذكرى الإمام الحسين (ع)، لنجد أن هناك تنوعا بالنظر إلى موضوع إحياء الذكرى. فهناك من يرى أن التجديد في الإحياء بالحذف أوالتبديل أوالتنويع في شعائرها وطقوسها والخروج عن المألوف هو خروج عن مفهوم الإحياء المتوارث والطريقة المعروفة والمعهودة، وبالتالي فهو أمر مرفوض وغير مقبول حسب أصحاب هذه النظرة. ويلاحظ في هذا الرأي الالتزام الحرفي بالموروث عن الآباء والأجداد دون زيادة أو نقصان.

وهناك من قد يرى أن التجديد في الإحياء يحتاج إلى ابتكار أساليب وطرق جديدة غير الأساليب الموروثة والمألوفة، من أجل الوصول إلى الأفضل في الاستفادة من الإحياء وشعائره. ويمكن القول هنا أن أي موروث ليس بالضرورة هو بحاجة إلى تجاوز، وخصوصا حينما يكون هذا الموروث إيجابيا، وبالتالي فتعزيز هذا الموروث وتطويره هو أمر إيجابي، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، ليس من السهولة تبديل طرق وأساليب اعتادها الناس منذ أمد بعيد، بل ربما أدت محاولة التبديل إلى ردود أفعال غير إيجابية.

وهناك رأي جامع يرى أن الطريقة الموروثة في الإحياء ليست هي الطريقة الوحيدة، وربما ليست هي الأفضل من ناحية المردوددات الإيجابية على الفرد والمجتمع، وبالتالي من أجل بلوغ الأفضل والحصول على أفضل مردودات إيجابية ينبغي اللجوء إلى تطوير الموروث وتحسينه والتجديد والتفكير في أساليب أخرى جديدة، تخدم إحياء الذكرى ومضامينها، ولا تخرج عن دائرة احترام القيم الأخلاقية وما ينبغي فعله، وتقدم مردودا أكبر للفرد والمجتمع، مع المحافظة على ما هو موروث جيد وإيجابي والعمل على تعزيزه وتطويره وتحسينه وإخراجه عن دائرة الجمود.

من خلال النظر في أساليب إحياء ذكرى الإمام الحسين (ع)، يجد المرء أن الآباء خلفوا لنا طرقا معينة فيه تتمثل في أمرين: مجالس الخطباء في المآتم والحسينيات، وأناشيد العزاء التي تُنشد في المآتم أو في مسيرات المواكب خارجها، ووجبات الطبخ والطعام التي كانت ترسل الكثير من الأرز واللحم إلى سواحل البحر وبراميل القمامة. وإذا كانت مواكب العزاء قد شهدت نوعا من التطور، فقد بقيت مجالس الخطباء على حالها تقريبا. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل الإحياء لا يتجسد إلا بهذين الأسلوبين أو الثلاثة؟ أليست هناك أساليب أخرى جديدة يمكن اللجوء إليها؟ وهل يعجز العقل البشري وإبداعه عن خلق أساليب جديدة في الإحياء تعود بالنفع على الفرد والمجتمع؟ أليس بالإمكان إدخال الحوار في مجالس الخطباء من أجل تحقيق فائدة ثقافية وفكرية أفضل؟ على سبيل المثال: أليس بالإمكان إقامة مهرجانات أدبية في إحياء الذكرى؟ أليس بالإمكان مناقشة كتاب حول نهضة الإمام الحسين (ع)؟ أسئلة ما زالت تطرح نفسها أمامنا باستمرار، وتحتاج منا إلى تفكير وتفصيل على طريق إحياء أفضل لذكرى الإمام الحسين (ع)، من أجل حصيلة أفضل.

بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد

محرم 1425

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى