في ذكرى أربعين إمام النهضة والإصلاح .. نحن ومطلب الحاجة إلى الإصلاح في جميع جوانب حياتنا

ونحن نعيش ذكرى أربعين سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) وأنصاره الأبرار (رضوان الله عليهم) في كل عام، خليق بنا أن نسأل أنفسنا دائما: ماذا تعني نهضة الإمام الحسين (ع) وإحياء ذكراها بالنسبة لنا؟

وربما يسأل السائل: وما الداعي لطرح مثل هذا السؤال؟ ألسنا نحب الإمام الحسين (ع) ونحيي ذكراه وكفى؟ وهل هناك شك في ذلك؟ والإجابة ببساطة وإيجاز: لكي لا يكون حبنا للإمام مجرد عاطفة، ولكي لا تغيب المبادئ الإصلاحية التي نهض في سبيلها الإمام الحسين (ع) –على المستوى الديني وعلى المستوى الدنيوي- من حياتنا، ولكي يبقى مضمون تلك النهضة التاريخية العظيمة ومبادئها نصب أعيننا دائما، وأن لا ننصرف إلى المظاهر والشكليات ونغرق فيها وتغيب عنا المضامين. وبعبارة ثانية مختصرة: لكي نتخلق بأخلاق الحسين ونعيش قيمه ومبادئه الإصلاحية بالمعنى الشامل للإصلاح.

هناك منا من لا يفهم من نهضة الإمام سوى تكرار إقامة مجالس الخطابة والحضور فيها وشرب الشاي والقهوة وتبادل الأحاديث فيها والبكاء وذرف الدموع والسير في مواكب العزاء وتناول وجبات الطعام عاما بعد عام، وصرف الأوقات في هذه الأمور وأشباهها. ومع الإيمان العميق بأن الشكل والمظهر هو وسيلة إلى المضمون والجوهر وليسا بديلين عنهما، ليس القول هنا في معرض التقليل من شأن الأمور والممارسات السابقة. لكن جاز للمرء أن يقول: إذا كان فهمنا لنهضة الإمام وإحياء ذكراها مقصورا على الأشكال المذكورة، فإننا بهذا الفهم القشري والتسطيحي نكون قد ظلمنا الإمام الحسين (ع) ونهضته أيما ظلم، بل وأسأنا لهما كل الإساءة، وظلمنا أنفسنا كذلك. ونكون أكثر ظلما حينما نستمر على نفس المنوال ولا نرتقي إلى تمثل القيم والمبادئ التي نهض من أجلها الإمام الحسين (ع)، لنلمس نتاجات الإصلاح في جميع جوانب حياتنا.

نعلم جميعا أن الإمام (ع) نهض من أجل إصلاح أمر الأمة والإنسان: إصلاح الدين وإصلاح الدنيا، إصلاح الأخلاق وإصلاح الحياة على مختلف مستوياتها الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمعيشية والتنظيمية. إذ بدون إصلاح الدين لا تصلح الدنيا، وبدون إصلاح أمر الدنيا يكون هناك فصل للدين عنها وتغييب سافر للجوانب الحركية والعملية والحياتية والاجتماعية في الدين، وكلنا يعلم أن الإسلام دين ودنيا، وأن لا رهبانية في هذا الدين، وأن الإنسان كما هو مطلوب منه أن يعمل لآخرته وكأنه سيموت في الغد، كذلك مطلوب منه أن يعمل لدنياه وكأنه يعيش للأبد، ومن هنا فهو بحاجة إلى أن يصلح أمر دنياه بما للإصلاح من معنى، وعلى مختلف المستويات.

ومن هنا، إذا كنا نحب الحسين حقا، وهو مثال الإصلاح والقائد الإصلاحي التاريخي العظيم، فلابد أن تتجلى مفاهيم الإصلاح في حياتنا بصورة حركية وعملية وتطبيقية، وأن نتوجه إلى جميع جوانب حياتنا –في البعد المعنوي والبعد المادي-لنعالجها بالإصلاح والتغيير. إذا كنا نحب الحسين فلابد أن تحرك مبادئ نهضته فينا الإصلاح في جميع جوانب حياتنا، وفي مقدمتها الإصلاح السياسي والمطالبة والدفاع عن حقوقنا الاجتماعية والاقتصادية. ولابد أن نسأل أنفسنا دائما: أين نحن من الإصلاح؟ وهل أننا نمارس الإصلاح فعلا مع أنفسنا ومجتمعنا، أم أننا –على سبيل التمثيل- كالحمير التي تحمل الأسفار (الكتب) ولا تستفيد منها لأنها لا تفقه ما فيها؟ وإلى أي مستوى أو درجة من الإصلاح قد وصلنا؟ وهل ارتقينا بتفكيرنا ومفهومنا للإصلاح بما يتناسب ونهضة الإمام؟ وهذا يدعونا إلى أن نتساءل مع أنفسنا كذلك: مع أننا ومنذ عقود من الزمن نحيي ذكرى نهضة الإمام الحسين (ع) ونستمع إلى المواعظ على تنوعها، لماذا ما زلنا متخلفين؟ لماذا مازالت قرانا لا تختلف عن مخيمات إخوتنا الفلسطينيين المنكوبين الذين احتلت أرضهم وشردوا منها ويعيشون في الشتات أو في مناطق في داخل بلادهم، مع أننا لم نعش احتلالا استيطانيا كما عاشوا ويعيشون؟ لماذا ما زلنا غير منظمين؟ متى سنتعلم النظام؟ أليست حالة النظام إصلاحا؟ متى سنتعلم النظافة ومبادئها في بيوتنا وفي خارجها؟ أليست النظافة إصلاحا؟ لماذا مناظر قرانا تفتقر إلى الجمال وتمتلئ بالمخلفات والأنقاض؟ أليس نظام البيئة وجمالها وترتيبها مسؤولية كل فرد منا وهو من الإصلاح؟ لماذا ما زالت قرانا –مع رجاء المعذرة- لا تختلف كثيرا عن المزابل الكبيرة؟ لماذا اهتمامنا ببيئتنا ومحيطنا ضعيف جدا؟ لماذا لا نعير نظافة مناطقنا اهتماما يليق بها؟ لماذا نرمي المخلفات في كل مكان وكأننا بشر بدائيون يلفهم الجهل ولم تمر المعرفة صوبهم؟ لماذا نطبخ ونرمي الطابوق والخشب المحترق هنا وهناك كالبداة؟ ولماذا لا نعتبر ذلك شيئا خلاف الإصلاح؟ لماذا ما زال قسم من أطفالنا يسيرون حفاة وينتقلون من مكان إلى آخر كالبهائم الهائمة؟ لماذا علاقاتنا الاجتماعية –في جزء منها- لا تقوم على الحب، وتجنح إلى الكبت، أو الإقصاء أو الإلغاء، أو التدابر، أو الإهمال؟ لماذا قسم منا يقتل الأوقات دون فائدة تذكر؟ لماذا تعودنا على الأوضاع الشاذة المخالفة للإصلاح وأصبحت أمرا مألوفا في حياتنا؟ ثمة أسئلة كثيرة ومتشعبة لا يتسع المجال لذكرها. ولكن بصورة مجملة، أليس النظم في هذه الأمور وغيرها من الإصلاح؟ وعليه، ألسنا بحاجة ماسة إلى تمثل قيمة الإصلاح الذي نهض من أجلها سيد الشهداء (ع) لنغير ونصلح به كل جوانب حياتنا دون استثناء؟

لا شك في ذلك أبدا، ولذا دعنا جميعا نبدأ بتصميم وجد ومسؤولية من الآن، الآن، من اللحظة، في تغيير أنفسنا. لنعلم جميعا أننا بدون تغيير الأفكار غير الإيجابية فينا ووضع الأفكار الصحيحة موضع الفعل سوف لن تكون النتيجة مختلفة، وسنظل نراوح في أماكننا، ولن يكون هناك إصلاح ولا تقدم. ولذا دعنا نغير طريقة تفكيرنا ونضع ما غيرناه في الفعل لنحصل على الإصلاح والتقدم إلى الأفضل. وبهذا يتسنى لنا أن نستفيد فعلا من ذكرى نهضة الإمام الحسين (ع) العظيمة ومبادئها الإصلاحية.

بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى