عن التنافس بين المؤسسات الأهلية في مجتمعاتنا القروية

في ذكرى نهضة الإمام الحسين (ع) الإصلاحية العظيمة، وذكرى الأنصار الشهداء الأبرار (رضوان الله عليهم) الذين قدموا أنفسهم قرابين في سبيل الله من أجل الدين والحق وإصلاح أمر الأمة، ما أجمل الحديث عن التنافس في البر والخير وما فيه منفعة الناس وخدمتهم وصلاحهم وإصلاحهم. فجميعنا يعلم أن التنافس في الخير أمر يدعم مسيرة الإصلاح، ويقوي وتيرتها، وهو أمر محمود ومطلوب بصورة عامة. والتنافس هو التسابق والتغالب، والتنافس الشريف هو التنافس والتسابق والتغالب في ما يرضي الله وينفع عباده. وقد بين الله تبارك وتعالى هذه القيمة الاجتماعية الجميلة في بيانه لجلالة قدر الأبرار وعظم منزلتهم عنده وغزارة عيشهم في الجنة بقوله تبارك وتعالى: ((ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)) (سورة المطففين-الآية26).

ولكي يكون التنافس فضيلا وخيرا وشريفا –وهكذا ينبغي أن يكون- لابد أن يكون مسيجا بابتغاء مرضاة الله وبالقيم الأخلاقية وحدود الفضيلة، وبدون هذا التسييج ينحو التنافس منحىً آخر. ومن هنا، لابد لكل منا –فردا أو جماعة- حينما يقرر في خدمة مجتمعه والتنافس في الخير مع غيره، لابد أن يزكي نفسه ويلجمها لكي لا تقع في الطرف الآخر المذموم من التنافس. والطرف الآخر المذموم من التنافس واضح للجميع، ويتمثل في التنافس من أجل المصلحة الشخصية أو الوجاهة أو الرئاسة أو حب الظهور أو حب النفوذ أو الوصاية على الناس والتسيد عليهم وتقييد حرياتهم أو الإساءة إليها، أو الميل نحو شق وحدة المجتمع والتشرذم والتفرق إلى خطوط متنافرة وثُلل متدابرة، والقائمة تطول.

نحن بحاجة دائما إلى التنافس الذي يحفظ ويراعي المصلحة العامة للمجتمع المحلي، وكل واحد منا مطالب بأن يهذب مصلحته الشخصية لجعلها لا تضر بالمصلحة العامة ولا تتضارب معها. ولبلوغ ذلك، نحن مطالبون بأن نتحلى بالتسامح والتنازل، وتغليب المصلحة العامة لمجتمعنا، والتغلب على أهوائنا النفسية، ورفع كل ما من شأنه الإضرار بمصلحة مجتمعنا، وبصورة خاصة مجتمعنا المحلي أو القروي.

وفي التنافس والتسابق في أعمال البر والخير وخدمة المجتمع، ينبغي أن نحسس أنفسنا دائما بالهدفية في أعمالنا، إذ لا يكفي أن نتنافس ونتسابق، بل لابد أن نشعر أنفسنا دائما بالغاية التي نتنافس ونتسابق من أجلها. فإذا كنت أتنافس وأتسابق مع غيري في عمل البر والخير، لابد أن أسأل نفسي دائما: من أجل ماذا أتنافس؟ ومن شأن هذا أن يحمينا من الوقوع في الشكل والشكليات والانشغال بها، ويجعل الجوهر والجوهريات ماثلة أمامنا دائمة للسير باتجاه بلوغها. وفي أعمال البر والخير –ومنها إحياء ذكرى نهضة الإمام الحسين (ع) الخالدة- كلما كانت بوصلتنا متوجهة إلى الجوهر والمضمون وكان الشكل والمظهر موجها لخدمة ذلك الجوهر والمضمون كلما كان تنافسنا أقرب إلى الفضيلة وكانت الثمرة أجدى وأنفع لنا ولمجتمعنا.

بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد

محرم 1426

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى