أمور فنية في الإحياء.. آراء ونظرات ناقدة

في إحياء ذكرى الإمام الحسين ونهضته الخالدة، ثمة أمور جوهرية، وثمة أمور شكلية أو مظهرية. ومثال الأمور الجوهرية: الإخلاص في إحياء الذكرى، والتمسك بالمضامين والقيم التي نهض من أجلها الإمام الحسين (ع)، من مثل التمسك بالحق والدفاع عنه، ونصرة المظلوم، ومناهضة الظالم. ويعني ذلك أن ثمة أسئلة ينبغي أن ترتسم عند كل واحد منا باستمرار من مثل: لماذا أحيي الذكرى؟ وهل أن إحيائي هو بالطريقة التي تجعلني قريبا وملامسا للمضامين الأخلاقية التي نهض من أجلها الإمام الحسين (ع)؟ أما عن الأمور الشكلية فهي تلك الأمور التي تتعلق بالشكل والمظهر، والمطلوب فيها أن توجه لخدمة الجوهر وأن لا تخرج عن دائرته، وأن لا تكون مناقضة له.

إن من أخطر الحالات التي قد نصاب بها في ما يتعلق بإحياء ذكرى الإمام الحسين (ع) أن يتحول الشكل أو المظهر إلى غاية بالنسبة لنا وينقلب إلى بديل عن المضمون. ويحق للمرء هنا أن يتساءل ما قيمة الإحياء إذا انقلب إلى ديكور وشكل لا يسمن ولا يغني من جوع؟ ما قيمة الإحياء والمشاركة في شعائره وطقوسه إذا لم يقرر الواحد منا تغيير نفسه باتجاه مضامين الإحياء الصحيح لنهضة الإمام الحسين (ع)؟ وما قيمة حضورنا ومشاركتنا في مراسم الإحياء إذا كانت سلوكنا في خارجها تتناقض مع مبادئ وقيم صاحب هذه الذكرى العظيمة؟ هذه الأسئلة تُطرح ليس تشكيكا في النوايا والقصود، بل تأكيدا على حقيقة أهمية أن يتواصى كل واحد منا مع نفسه ومع إخوانه –وباستمرار- بالتمسك بالمضامين الجوهرية في نهضة الإمام الحسين (ع) ولإحياء ذكراها.

من الأمور الفنية: الصوت الجميل للخطيب، واللحن المؤثر للمنشد التأبيني. فمن الحسن أن يكون صوت الخطيب جميلا، ومن الحسن كذلك أن يكون لحن المنشد حلوا ومؤثرا، ومن الجميل –بل من المطلوب-أن تكون أناشيد العزاء جميلة ومؤثرة، ولكن لا ينبغي أن يتحول الصوت واللحن والأشخاص إلى غاية بالنسبة لنا. فإذا تحول الصوت واللحن والشخص إلى غاية بالنسبة لنا نكون بذلك قد فقدنا توازننا، ودخلنا في الأخذ بالشكل والمظهر وترك المضمون والجوهر. وما الفائدة التي تُجنى حينما يتحول الإحياء إلى مجرد صوت ولحن وديكور؟! لا شيء أبدا، وكما يقول المثل السائر: “ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج”. هذه حقيقة ينبغي لكل واحد منا أن يعيشها بفكره وممارسته، وأن تتحول إلى جزء من لاشعوره الثقافي، وخلق فيه متطبع عليه.

ومن الأمور الفنية في الإحياء: الصوت المعتدل الذي لا يسيء إلى نقاء البيئة والمحيط الاجتماعي. ومما يؤسف له أن البعض منا قد يتصور خطأ بأنه كلما زادت شدة الصوت كلما كان ذلك تعبيرا أفضل عن تحقق الإحياء بصورة أفضل، بل ربما يربط البعض منا بشدة الصوت وسمعة المأتم، فيعتبر أن الصوت الشديد هو تعبير عن صيانة وحفظ لسمعة المأتم أو الموكب، وأن خفضه هو إضرار بذلك، وكأننا نعيش استعراض أو معرض للمآتم والأصوات. وهذا تفكير ساذج ينبغي لنا أن نعالجه ونصلحه. فالشدة الزائدة في الصوت أمر غير صحي ولا تعني سوى توجيه لطمة قوية لجهازي السمع والأعصاب الإنسانيين،  وتعكير لصفو المحيط الاجتماعي، وهذه الحقيقة الفنية التنظيمية ينبغي لكل واحد منا أن يدركها ويأخذها بعين الاعتبار ويعيشها بنفسه، ويتواصى مع الآخرين حولها، وينبغي أن تتحول إلى جزء من ثقافتنا العلمية والمعرفية. وفي معالجتها ينبغي أن نتوسل بالتقبل والتسامح والبعد عن التعصب وإقصاء آراء الآخرين ونظراتهم، وأن نركن إلى العلم والمعرفة وحقائقهما وتوصياتهما. وفي نقد هذه الحالة غير الإيجابية (وهي الصوت الشديد الزائد المنبعث من سماعات المآتم) يقول شاعر سترة الشهير الأستاذ حسن المتوج في قصيدته اللامية الناقدة:

وإذا المأتم صفت حوله … ميكروفونات لإسماع الدول

اغتنمها فرصة يا صاحبي … وارفع الصوت ولا تخش العذل

إرفع الصوت بعزم ثابت … بالصواريخ سنرقى لزحل

لا تدع للناس نوما هانئا … صدّع الرأس بصوت متصل

ما أجملنا في إحياء ذكرة نهضة الإمام الحسين (ع) أن نكون أناسا حضاريين، عقلانيين، نعطي للعلم والعقل والمعرفة والذوق السليم ومعطيات الحضارة اهتماما لائقا بها. وإذا كانت ذكرى سيد الشهداء (ع) تلهب فينا العواطف، وتهيج فينا المشاعر، فمرحى بتلك العواطف والمشاعر التي تجعلنا نحب الإمام الحسين (ع) وقيمه ومبادئه التي آمن بها وضحى من أجل تحقيقها، وتجعلنا تائقين لتطبيقها في حياتنا. ولكن جدير بنا –في ذات الوقت- أن لا تخرجنا تلك العواطف والمشاعر عن دائرة الممارسة الحضارية الراقية والتصرف العقلاني السليم والذوق الإنساني الرفيع.

بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد

محرم 1425

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى