سلوكنا بعد شهر رمضان.. كيف ينبغي أن يكون ؟

الفوائد التي يحصل عليها المسلم من صيام شهر رمضان المبارك أكيدة ولا جدال فيها, بخلاف ما يعتقد كثيرون من المسلمين وغيرهم أن الصوم ما هو إلا إرهاق للجسد والنفس بلا طائل. فالصوم يشحذ العقل, ويهذب الجسد ويخلصه من السموم، ويعدل الوزن إذا ترافق مع نظام غذائي منتظم وقت ساعات الافطار, ويهذب النفس وقواها ويجعلها رفيقة وصابرة وأخلاقية ومتقية وقادرة على تحمل الصعاب، ومستشعرة لآلام الآخرين والظروف الصعبة والقاسية التي يتعرضون لها ومهيئة لها للتضامن معهم. وهو بكلمة : محطة لوضع النفس على طاولة التهذيب والمحاسبة والتقويم على طريق الاستمرارية في التزام السلوك الحسنة  وامتلاك السيرة الجميلة.

مع هذا, فمن الحالات أو الظواهر الموجودة: التعامل مع شهر رمضان المبارك على انه فترة من فترات السنة، يمارس فيها الإنسان المسلم العبادة والسلوك الجميلة ثم يعود بعدها إلى سالف سلوكه غير المحمودة  سيرا على طريقة: “عادت حليمة إلى عادتها القديمة”. ويذكر هذا بمن يتعامل مع الشهر الفضيل على أنه موسم للصيام والصلاة وقراءة القرآن والدعاء. فإذا ما انقضى عاد إلى عادته في ترك الصلاة وإتيان ما يحرم وما لا ينبغي إتيانه. وهناك منا من لا يترك الصلاة بعد انقضاء الشهر الكريم, لكنه في أفعاله وتصرفاته وسلوكه يجانب ما عاشه من قيم روحية وأخلاقية فيه. وهذه النظرة نظرة تجزيئية وخاطئة, لأنها تفصل بين كون الشهر الفضيل محطة روحية وبين كون هذه المحطة نقطة انطلاق في حمل النفس على الاستمرارية في السلوك الجميلة والسيرة المستقيمة. مثال هذا: اذا كان  في الشهر الفضيل لا يكذب ولا يؤذي الآخرين بالفحش من القول ولا يغتابهم ولا يضمر لهم سوء, تجده يعود لممارسة هذه الأمور بعد انقضاء الشهر. واذا ما شبهنا حال الإنسان بالسيارة فإن السيارة تتزود بالوقود في المحطة ليس من أجل السير في ثنايا المحطة فحسب, بل كذلك من أجل أن تستعمل ذلك الوقود في رحلاتها وسفرها في ما بعد المحطة.

ان هذا الفصل يعد حالة خطيرة, لأنه يتعامل مع الشهر الفضيل على أنه مرحلة تتميز بقيود أخلاقية وعبادية, لكن هذه القيود تتبخر وتنعدم بعد انقضائه.  وقد ساعد الجهل والثقافة المتخلفة والتربية الخاطئة على تكريس حالة الفصل هذه. ويذكّر هذا ببعض الممارسات الخاطئة الناجمة عن ذلك الجهل أو الثقافة المتخلفة أو التربية الخاطئة, من مثل أن البعض منا إذا ما جاء موسم النهضة الحسينية عكف على سماع أشرطة العزاء والإنشاد الحسيني, وإذا ما انقضى ذلك الموسوم عاد إلى سماع الأغاني الغربية والموسيقى الماجنة وغير الملتزمة سيرا على طريقة: لكل شيء وقته, أو على طريقة: ما لله لله وما لقيصر لقيصر، أو على طريقة اللعب على الحبلين كما يقال.

ان هذا الفصل خلل أخلاقي تنبغي معالجته, وهو في درجاته الشديدة ينطوي على ازدواجية في الشخصية, ازدواجية تجمع  ما بين ما هو أخلاقي في وقت ما وبين إتيان ما هو غير أخلاقي في وقت آخر بعده, وإيهام النفس بأن هذا أمر عادي ومقبول, أو الاستسلام والخضوع له كنتيجة للتربية الخاطئة التي تلقاها.

إن من أهم القيم الأخلاقية التي ينبغي لكل منا أن يتعلمها ويعتادها أن القيم الأخلاقية التي يمارسها في شهر رمضان المبارك ينبغي أن تكون نصب عينيه في غيره من أيام وليالي السنة, وأن تكون معيارا له في السلوك والسيرة في حياته, وإلا فقد الشهر الكريم عنده قيمته، كونه محطة للتزود الروحي والأخلاقي واستثمارا لذلك الزاد واستمرارية له على مر الليالي والأيام.

بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد

22/8/2003م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى