العزاء الموحد صورة حسنة من أجل إحياء أفضل لذكرى نهضة الإمام الحسين ع

بداية تجدر الإشارة إلى أن العزاء الموحد تم تشكيله بين القرى الأربع وهي: السهلة الشمالية والسهلة الجنوبية وأبو قوة وعذاري، وهي مبادرة تقدمت بها السهلة الشمالية عام 95م وباركتها القرى الثلاث الأخرى. وهي مبادرة طيبة ينبغي التوقف عندها من أجل تسليط شيء من الضوء عليها. لعل من أبرز الأسئلة التي تطرح نفسها في هذا السبيل: كيف ولماذا أنشئ العزاء الموحد بين القرى الأربع المذكورة؟

محاولة للإجابة على هذا السؤال ينبغي القول أن من السمات الحميدة للإنتفاضة الشعبية المجيدة التي مرت بها البلاد أنها أوجدت بين الناس شعورا بضرورة التماسك والوحدة، وجاءت الوحدة بين المآتم في المواكب العزائية الثلاثة ترجمة فعلية لذلك الشعور، فمع الوحدة يكون التجمع والقوة ومع التفرق يكون التشرذم والضعف. وهذا الأمر يقودنا إلى أمر أساسي في إحيائنا لذكرى نهضة الإمام الحسين (ع)، وهو أن المآتم والمواكب إذا كانت تقربنا أكثر وتجعلنا متماسكين أكثر فهذا يعني أننا على الطريق الصحيح. أما –لا سمح الله- إذا كانت تفرقنا وتجعلنا متفككين ومتشرذمين، فهذا يعني أن ثمة إشكالية موجودة بيننا –لابد من حلها- تتمثل في فهمنا الخاطئ لمبادئ الإمام الحسين (ع) ونهضته المباركة وطريقة تعاملنا معها.

ومن أجل إحياء أفضل لذكرى نهضة الإمام الحسين (ع) مهما تنوعت الأنشطة والفعاليات، سواء كانت في صورة مجالس خطابة أو مواكب عزائية أو منتديات ثقافية أو غير ذلك، لابد من التأكيد على النقاط التالية:

1- في إحيائنا للذكرى ينبغي أن نؤكد على مبدأ إخلاص العمل لله سبحانه وتعالى والتقرب إليه. دائما وأبدا ينبغي أن نراجع أنفسنا ونطرح عليها هذا السؤال: لم نحيي الذكرى؟ هل نحيي الذكرى من أجل إرضاء رغبات شخصية في أنفسنا تتمثل في حب للظهور أو طلبا للرئاسة أو غير ذلك من الدوافع التي تحتاج إلى تهذيب. صحيح أن النفس الإنسانية قابلة للوقوع في الزلل، وصحيح أيضا أن الناس متفاوتون في ميلهم لتسنم المهام الإدارية، وصحيح كذلك أن من حق كل إنسان أن يتقدم لتحمل مسؤوليات إدارية إذا كان مؤهلا لذلك ووتوفر فيه الشروط الازمة، ولا يحق لأي أحد أن يمنعه من ذلك. ولكن ليس من الصحيح أن تتحول الرئاسة إلى هدف بالنسبة لنا. إن من أهم الدروس والعبر التي ينبغي أن نستلهمها من سيد الشهداء ونهضته المباركة أن السلطة مهما كان مستواها ينبغي أن تكون وسيلة خيرة لغاية من مثلها، لا أن تنقلب هدفا في حد ذاتها. وهذا ما تؤكده كلمته التاريخية التي يقول (ع) فيها: ((إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا، وإنما خرجت في طلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر…)). فالرئاسة والسلطة في نظر الإمام الحسين (ع) مهما كان حجم دائرتها هي وسيلة إصلاح اجتماعي وتحقيق خير للجماعة، وليست هدفا في حد ذاتها.

2- في إحيائنا لذكرى نهضة الإمام الحسين (ع)، مطلوب منا أن نحافظ على الجوهر والمضمون من الإحياء لا أن ننشغل بالمظاهر والشكليات، ويتلزم علينا أن نعي دائما أن الشكل ينبغي أن يكون طريقا إلى المضمون لا أن يكون بديلا عنه، أو وسيلة لطمسه أو التعتيم عليه أو إعطائه دورا هامشيا. بعبارة أخرى أن يقودنا الإحياء إلى مزايا وحصائل ذات معنى تنعكس إيجابيا في سلوكنا وسيرتنا الفردية والاجتماعية في الحياة في مختلف أبعادها وحقولها ومجالاتها، لا أن ننشغل بالشكل ونتمحور حوله. إننا إذا انشغلنا بالشكل قد يضيع منا المضمون، وبذلك نكون قد خسرنا الإحياء وأضعنا الطريق ونحن نحسب أننا نحسن صنعا. دائما وأبدا ينبغي أن نحسس أنفسنا بالتساؤل: أين نحن من مضمون إحياء الذكرى؟ وإحياؤنا للذكرى ينبغي أن يكون إجابة موضوعية  تلامس ذلك المضمون ولا تنفك عنه.

3- وفي إحيائنا للذكرى يتطلب منا الأمر أن نكون موازنين بين التأبين والبكاء وبين الرسالية في نهضة الإمام الحسين (ع). البكاء على الإمام الحسين (ع) حسن ومطلوب، ومن حقنا أن نبكي على الإمام الحسين (ع) وأنصاره الكرام (رضوان الله عليهم) لأنهم قتلوا مظلومين وفي سبيل الحق. لكن أن نفهم إحياء الذكرى على أنه بكاء فقط أو من أجل البكاء، ونوهم أنفسنا بأننا بمجرد البكاء نكون قد أدينا دورنا وواجبنا تجاه الإمام الحسين (ع) ونهضته، فتلك نظرة تجزيئية في إحياء الذكرى ينبغي أن لا نقع فيها. إن الإمام الحسين (ع)  قبل كل شيء رسالة، وهو لم يقتل لكي نبكي عليه، وإنما نبكي عليه لأنه صاحب قضية ورسالة في الحياة جاهد وقتل في طريقها مظلوما. إنها رسالة حفظ العقيدة وصيانة الحق وابتغاء الخير والدفاع عن المظلومين والمقهورين. إذا كان إحياؤنا لذكرى الإمام الحسين لا يحرك فينا كل هذه الأمور فذلك فهم تجزيئي لابد أن نصححه، و إشكالية ينبغي أن نحلها ونتجاوزها.

بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى