ممارسة الشعائر الحسينية بين الشكل والمضون

قال سيد الشهداء الإمام الحسين (ع): “… إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي…). لعل هناك من يتساءل: ما هو الشكل؟ وما هو المضمون؟ وللإجابة على هذا التساؤل يمكن القول أن لكل الأشياء في هذه الحياة شكل ومضمون، وينسحب هذا على الماديات والمعنويات. ومن أجل تبسيط الفكرة، لو افترضنا أن أمامنا كأسا زجاجيا يحوي مقدارا من الماء، فالمتبادر إلى الذهن أن المضمون هو مقدار الماء الموجود في الكأس على الأقل، والشكل هو هذا الوعاء الزجاجي الإسطواني المغلق من الأسفل، كي لا يتسرب الماء منه تحت تأثير الجاذبية. وحسب هذا المثال، إذا أريد للماء داخل الكأس أن تتم المحافظة عليه، فلابد من الاهتمام بالكأس نفسه بجعله لا يحتوي على أي شروخ نافذة تتيح للماء أن يتسرب، وأن يتم وضعه في محيط يمنع الفساد ويحافظ على ما فيه وهو الماء (المضمون)، بتغطيته، أو وضعه في الثلاجة، أو ما شابه ذلك.

ومثال آخر: لو افترضنا أن أمامنا رجلا يصلي، فالمظهر هو هذه الحركات التي يقوم بها المصلي من قيام وجلوس وركوع وسجود وقراءة وأذكار وتسبيح وغيرها المعروفة. أما المضمون فهو المعاني التي تنطوي عليها تلك المكونات، وسعي المصلي والتزامه ترجمة هذه المعاني إلى أمور معاشة في سلوكه وسيرته العملية. والمهم ملاحظته هنا أنه بتجريد الشكل من المضمون تتحول الصلاة إلى مجرد لغو وحركات ميكانيكية، ليس إلا.

وبناء عليه، فالاهتمام بالمظهر يجب أن يقترن بالاهتمام بالمضمون، بمعنى أن يكون المضمون مترتبا على المظهر، لا أن يكون الثاني منفصلا عن الأول ومجانبا له. فليس صحيحا أن نقوم بطلاء جدار الكأس بالألوان، بينما نبقيه لمصادر الفساد والتلوث، وليس صحيحا أن نُظهر الصلاة بمظهر جميل، بينما نبعد ذلك المظهر عن مضمون الصلاة وقيمتها الروحية والأخلاقية والاجتماعية في حياتنا.

وانطلاقا من مبدأ الإصلاح الذي نهض من أجله الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأنصاره (رضوان الله عليهم)، لابد من وعي وإدراك لهذه العلاقة بين الشكل والمضمون في ممارسة الشعائر الحسينية وإحيائها، وإعطاء هذا الوعي والإدراك اهتماما مشددا يتناسب وأهميته، حتى يتم تفادي الإغراق في المظهر والضياع فيه، ونسيان المضمون، أو التقصير فيه، أو تضييعه لا سمح الله، ولكي تكون ممارسة الشعائر إحياءاً حقيقيا لمبادئ وأخلاقيات الإمام الحسين (ع).

والتشيع الإسلامي الحقيقي هو التشيع الذي يُصان فيه المضمون ولا يضيع فيه في غمرة الشكل، ويكون فيه الشكل (المظهر) حاميا ومؤديا إلى المضمون (الجوهر) والتزامه. ويذكرنا هذا بالمقارنة التي أجراها المفكر الإسلامي الإيراني الشهيد الدكتور علي شريعتي حينما قارن بين التشيع العلوي والتشيع الصفوي، لا فتا الأنظار ومشددا على أن التشيع العلوي هو تشيع المضامين والجواهر وليس تشيع الشكليات والمظاهر، وهو التشيع الذي يحيا فيه المضمون وينتعش، ويكون فيه المظهر وسيلة له (المضمون)  وليس بديلا عنه، بخلاف التشيع الصفوي الذي كان غارقا في الشكليات على حساب المضامين.

وهكذا من أجل إحياء أفضل، ومن أجل إصلاح حقيقي، ينبغي للمثقفين والعاملين والناشطين في كل المؤسسات التي تهتم بإحياء الشعائر الحسينية أن تؤسس الإحياء على قاعدة الاهتمام بالمضمون وجعل المظهر وسيلة وحاميا وطريقا إليه، وأن يكون همها الكبير هو بناء هذا الإنسان على تلك المبادئ والأخلاقيات التي نهض من أجلها سيد الشهداء (ع)، وهي مبادئ وأخلاقيات الإسلام الحنيف. فالإحياء ليس مجرد تسجيل حضور في مجلس خطابي في مأتم، أو مجرد سير في مسيرة عزائية، او مجرد مشاركة أو حضور في مهرجان ثقافي أو شعري حول إحياء الشعائر، أو غير ذلك، ولكن الإحياء الحقيقي ييتم حينما تتحول هذه المظاهر إلى وسائل حقيقية لبناء هذا الإنسان وفق مبادئ وأخلاقيات الإمام الحسين (ع).

بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى