نحن وزماننا والنصيحة والتناصح

لا يختلف عاقلان على أن النصيحة المحقة والمخلصة هي وسيلة تقويم فردية واجتماعية، عن طريقها يعدل المرء عما هو غير ملائم، ويعود إلى ممارسة ما ينبغي فعله. وانطلاقا من هذا المبدأ، كانت النصيحة بالأمس، في عهود آبائنا وأجدادنا، محببة إلى القلوب، وكان الناس يتواصون بالحق والصبر، ويفتحون قلوبهم حينما يأتي الناصح إليهم، ويسدي إليهم النصيحة، بل كانوا يبتهجون فرحا، ويشكرونه ويثنون عليه لأنه قدم لهم خدمة طيبة، ودلهم على أمر كانوا يعتقدون أن الصواب في خلافه. كانوا يعتبرونها هدية مقدمة إليهم، ومن شأن الهدية أن تُقبل وتُقدر، وتؤخذ بعين الاعتبار، سيرا على ما جاء في النصوص الشريفة بما مضمونه : “أحب إخواني إلي من أهدى إلي عيوبي”، وإهداء العيوب بالمعنى العام يتوجه إلى التذكير أوالإرشاد إلى ترك ما لا ينبغي فعله إلى ما ينبغي فعله.

أما اليوم، لا أقول أن تقبل النصيحة أمسى أمرا معدوما، فما زال هناك من البشر ممن يقدر النصيحة المسداة إليه، ويعتز بها، ويعتبرها فرصة له نحو التقوم والاعتدال والتقدم. ولكن الحالة الملموسة أن الناس في زماننا هذا أمسوا شديدي الحساسية تجاه النصيحة، وربما وصل الأمر بهم إلى حد اعتبارها تدخلا في شؤونهم الخاصة. فبمجرد أن تذكر أحدهم بأمر ناصحا له فيه، تغيرت ألوانه، وأبدى امتعاضا وربما نفورا، وبما رتب على ذلك خصومة أوقطيعة، واعتبر ذلك تعديا على شخصيته وتدخلا في شؤونه الخاصة. ولعل أغلبنا سمع من منصحوين هذه العبارة المتعالية: ” ومن أنت حتى تنصحني”.

ويحتل الأشخاص الحساسون والعنيدون الدرجات الأولى في الامتعاض من النصيحة وربما عدم قبولها، فهم لا يتحملون النصيحة حتى وإن كانوا داخليا مقتنعين بها، وربما اعتبروا ذلك انتقاصا لأشخاصهم. ومن الناس  من يذهب إلى أبعد من ذلك،  فيسيء الظن في الناصح، وبدلا من أن يعتبر النصيحة موقف تذكير ومراجعة للنفس، بدلا من ذلك يعتبرها نية سيئة مبيتة له من قبل الطرف الناصح.

ولكن المنصوح لو فكر مليا في أمر النصيحة، واستقبلها بصدر رياضي رحب، لكان المكسب حليفه. إن الإنسان السوي أمام النصيحة المخلصة يدرك أنها في صالحه، ولكن كبرياءه قد يدعوه إلى عدم التجاوب والرفض والعناد. فنحن قد نعرف الحق وندركه ولكن كبرياءنا قد يمنعنا من الإقرار به وقت النصيحة، وربما بعدها كحالة أشد عنادا. ولكن لنعلم إذا كنا منصوحين أن عنادنا لن يجدينا نفعا.

إن الروح الرياضية الإيجابية هي التي تتجاوز النقائص وبصدر رحب، بناء على أن أيا منا ليس خاليا من العيوب والنقائص والأخطاء، ومن شأن هذه العيوب والنقائص والأخطاء أن تستدرك وتصحح، سواء عن طريق مراجعة النفس ذاتها مباشرة، أو عن طريق طرف آخر مذكر، وهو الناصح.

ولابد من التأكيد هنا على أن النصح في حد ذاته فن ينبغي لنا أن نتعلمه ونتقنه، فهناك تذكير أو نصح مهذب وجميل يجعل الطرف المنصوح مقبلا على النصيحة ومتجاوبا معها. وهناك في الطرف المقابل تذكير أو نصح يفتقر إلى الأسلوب الفني الحسن، وبالتالي قد يعطي نتائج غير إيجابية في شخص المنصوح، حتى وإن كان القصد خيرا. وعموما فإن الناس لا يرغبون إلى من ينصحونهم بصورة حادة أو هجومية أوجارحة، وإنما يحبون من يقدم لهم النصيحة في صورة اقتراح، أو في صورة عرض اختيار: في صورة هدية جميلة، ترتاح إليها نفوسهم، وتقبل عليها قلوبهم، وتقوم على التواضع والاحترام والتقدير والإشعار بالأهمية.

بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد

31/8/1999م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى