الموضة: بين الوعي والتقليد

“الموضة” -كما هو معلوم- تعريب لمفردة “Mode”  الإنجليزية، وتعني الصيغة، والشكل، والأسلوب، والطريقة (في عمل شيء)، والزي السائد. ومن حيث الاستعمال، ينصرف معنى “الموضة” بصورة عامة إلى مجمل ما هو مستعمل في الوقت الحاضر من أنماط جديدة في مستلزمات المعيشة، أو المستلزمات الشخصية (كقصة الشعر مثلا)، سواء كان النمط حديثا، أو كلاسيكيا، أو مزيجا من الحديث والكلاسيكي، وبصورة خاصة ينصرف مضمونها إلى الأزياء والملابس، سواء كانت ملابس نسائية أو رجالية أو ملابس أطفال.

وبالنظر إلى خصوصية هذا الموضوع، ربما يتساءل البعض : هل هناك من داعٍ لمعالجة موضوع مثل هذا؟ وأليس الإنسان حرا في اقتناء ما يريد، والتزين بما يريد، ولبس ما يريد؟ وأليست الأزياء الحديثة -في مجملها- تضفي على الإنسان رونقا وأناقة وبهاء؟! وربما يتساءل آخرون: ما هي علاقة الأزياء بهوية المجتمع الثقافية؟ وهل هناك علاقة بتلك الهوية؟ وهل هناك من حدود -إذا جاز التعبير- تنظم عملية الاقتباس أو الأخذ من الآخرفيما يتعلق بالموضات عموما وموضات الأزياء بصورة خاصة؟ وأسئلة أخرى يمكن أن تثار حول مسألة “الموضة” والموقف منها.

ابتداء، التقليد إنما يكون نافعا ومفيدا حينما يتوجه -في المقام الأول- إلى التقليد في الجوهر والمضمون واللباب، لا في المظهر والشكل والقشور. إننا لكي نثبت جدارتنا وتفوقنا، ينبغي أن يتوجه تقليدنا للآخر إلى الجوهر والمضمون واللباب، أن نأخذ منه ما يهيئنا لكي نكون منافسين له في مجالات العلوم والمعرفة والصناعة ووسائل التقدم والحضارة، وهي الجوانب التي نحن في أمس الحاجة إلى التقدم فيها. أما فيما يتعلق بالشكل، وإن كان الظهور بالمظهر اللائق هو من السمات الشخصية الحسنة، إلا أنه ينبغي أن نكون حذرين، فالأمر يتعدى مجرد التقليد في لباس أو نمط معين.

إن مما لا جدال فيهأن التقليد الأعمى ممارسة غير سليمة، وهذا أمر لا يختلف فيه إثنان، ذلك لأن التقليد الأعمى هو عملية إلغاء للذات أو قفز عليها أو تجاهل لها، إنه عملية انسياق عشوائية يتجلى فيها معنى إلغاء استعمال العقل. وهذا الانسياق هو ترجمة عملية لميول ورغبات بوعي أو بدون وعي، وفي أسوأ الأحوال أن يكون هذا الانسياق صورة لحالة خضوع داخلية لجهة أجنبية ذات ثقافة معينة، وهنا مكمن الخطورة، حيث يكون التقليد -والحال هذه- ليس مجرد محاكاة في زي معين، بل يتعداه إلى حالة خضوع ثقافي لثقافة أخرى، بعلم أو بدون علم الشخص المقلِّد. ومن هنا فهناك حاجة إلى ثقافة أو وعي بما يُطرح من “موضات” و”موديلات” فيما يتعلق بالأزياء وغيرها. وأهم عنصر في هذه الثقافة أو ذلك الوعي هو طرح أي “موضة” أو “موديل” على طاولة الخصوصية المجتمعية، لمعرفة ما إذا كان منسجما معها أو مناقضا لها. والأجيال الشابة – من بنين وبنات – هي جديرة بتلقي هذا النوع من الثقافة، إذ أن تركها بدون ذلك يعني فتح المجال لها لتقليد ما ينتجه الآخرون من “موضات” وموديلات كيفما يكون الأمر.

ولا ينبغي أن يفهم من هذا أن كل ما ينتجه الآخرون من “موضات” و”موديلات” ليس جيدا، ولكن الأمر الذي ينبغي أن نعيه أن كثيرا من “الموضات” والموديلات” التي تأتينا هي هيئات فرضت في مجتمعات معينة، ويراد لها أن تسود في مجتمعاتنا، مما يعني أنها لا تنسجم والخصوصية الثقافية لمجتمعاتنا، وفي مقدمتها تلك “الموضات” “والموديلات” التي تسيء إلى عفة المرأة وحشمتها، وتجعلها عرضة للابتذال.

الأمر الآخر في أمر “الموضة” أنها تخضع لنهج رأسمالي واضح، يقوم على مبدأ التغيير من أجل در الأرباح وتحريك دولاب التجارة في هذا السبيل. ولذا، الملاحظ أن شركات الأزياء تتنافس بشره في الإتيان بما هو جديد في عالم الأزياء، لكي تحقق أعلى الأرباح، حتى ولو كان الجديد تافها أو مبتذلا أو لنقل ليس إبداعيا بما لكلمة الإبداع من معنى. وهكذا نجد أن التغيير من أجل تحصيل الأرباح لا يلتفت إلى ما قد يحدثه الزي من إرهاصات سلبية على مرتديه وعلى الاجتماع بصورة عامة، بل ينظر إلى الربح على أنه المسألة الأولى والأخيرة. وهكذا تحول الإنسان إلى ضحية، وخصوصا المرأة، حينما صارت

تقليدنا يجب أن يتوجه إلى ما هو أهم من التقليد في الموضات

ليس من الصحيح أن ندع الآخرين يسيروننا في الموضات كيفما يريدون، وكأنما هم يفصلون ونحن نلبس. حتى في اللبس واللباس فقدنا استقلاليتنا؟

بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى