كيف نبني طفلاً أخلاقيًّا؟ 3من4

من القواعد الأولية في بناء طفل أخلاقي أن يصنع الوالدان من نفسهما صورة حسنة لطفلهما. وهذا يقتضي أن يظهر الوالدان أمام طفلهما بمظهر أخلاقي، وأن تكون سلوكهما ضمن حدود الآداب والفضيلة، وأن يكون هناك انسجام وتوافق بين سلوكهما الأخلاقي أمامه وبين سلوكهما في مغيبه في ما يمكن تسميته بوحدة السلوك، واجتناب الازدواجية. كما ينبغي التنبه إلى أن السلوك الأخلاقية للوالدين هي من جانب تكليف ومسؤولية عليهما، ومن جانب آخر هي الصورة أو الصور التي سيشاهدها الوالدان في طفلهما. إن الطفل ومنذ سنواته الأولى ترتسم صور تصرفات والديه في ذهنه، وهذه الصور ستتحول إلى تطبيقات عملية مترجمة يقوم بها في حياته في ما بعد، إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا، فكيفما نكون، يكون أولادنا، فلنكن صورة طيبة لهم.

تصور أنك في كل موقت صلاة تتوضأ، وتفرش مصلاك، وبعدها تصلي، ثم تدعو ضارعا إلى ربك. هذه الصورة ترتسم في ذهن طفلك وقلبه، وبحكم التكرار والعادة  يألف الطفل الصلاة وتصبح أحد الاهتمامات التي ستشغل حيزا من تفكيره، أو تجعلها شيئا معتبرا له قيمة على أقل تقدير. ولذا ليس من الغريب أن نجد طفلا لا يأبه بشيء اسمه الصلاة -كمثال-إذا كان أبوه وأمه لا يأبهان بها. وهذا يقودنا إلى أن الطفل يقلد -أول ما يقلد- أباه وأمه، فإذا كان التقليد في سلوك أخلاقية مستقيمة نشأ الطفل مستقيما وأخلاقيا، وخلاف ذلك صحيح. وعلى هذا لكي يكون تقليد أبنائنا لنا أخلاقيا، ينبغي -في المقام الأول- أن تكون سلوكنا وتصرفاتنا أخلاقية، بعبارة أخرى: أن نجعل من أنفسنا قدوات لأولادنا بسيرتنا وسلوكنا العملي، ومن المعلوم والواضح أن التأديب بالسيرة أوالفعل خير وأفضل من مجرد التأديب باللسان.

وفي مسيرة التربية والبناء للطفل سيكون الوالد -أبا كان أو أما- المرجع للطفل فيما يعرف بالرجوع الاجتماعي كما مر ذكره، وهو عملية اتصال بين الطفل ووالده على قدر كبير من الأهمية، يترتب عليها موقف وإرشاد وتوجيه، والبناء الأخلاقي للطفل يوجب أن يكون ذلك التوجيه والإرشاد واتخاذ المواقف أخلاقيا. إن الرجوع الاجتماعي للطفل ينبغي أن يكون مؤطرا بقاعدة الصورة الحسنة للوالدين أمام طفلهما، لأن الرجوع يترتب عليه توجيه وإرشاد، والتوجيه والإرشاد يترتب عليهما فعل وتصرف للطفل. وفي سن الثمانية عشر شهرا سيبدأ الأطفال بالرجوع إلى آبائهم أو أمهاتهم في المواقف غير المألوفة لديهم من أجل الإرشاد. وقد لاحظ الباحثون في ميدان الطفولة أن الأطفال الدارجين يلمحون والديهم (آباء أو أمهات) قبل إتيان شيء غير مألوف يجهلون العواقب من ورائه، وهم بهذا ينتظرون الرخصة من والديهم لإتيان ذلك الفعل، كلمس جهاز غير مألوف مثلا.

والرجوع الاجتماعي يساعد الأطفال في اكتساب المشاعر والصفات الأخلاقية وفي مقدمتها الفخر، والخجل، وتمييز حدود ودرجات الحسن والسوء منهما. ويرى بعض الباحثين في الطفولة أن الفخر (أو العجب أو الغرور) هو حالة الافتخار أو الابتهاج التي يشعر بها الطفل كمكافأة على قيامه بأمر ما بصورة صحيحة، مع الالتفات إلى أن الفخر ينبغي توجيهه في الطفل لكي لا ينقلب غرورا أو اعتدادا سلبيا بالذات. ومن المظاهر المصاحبة لهذه الحالة: بسمة عريضة، ومزاج منفتح. وفي الطرف المقابل يحدث عندما يشكل الطفل صورا ذهنية ناجمة عن استنكار الوالد لتصرف معين، حيث تجده يجنح إلى الصمت ربما أو الوجوم والانقباض، وحالة عدم الرضا، وربما البكاء.

وينبغي التوجه إلى أن الحياء (الخجل) صفة مطلوبة في الطفل، وينبغي تنميتها فيه كخلق يساعده على تجنب الأعمال والممارسات غير السليمة والرذيلة، دون جعلها صفة سلبية تعيقه في حياته. والحياء بالمعنى الأول هو الحياء الذي هو جزء الإيمان، والإيمان هو الحالة التي ينبغي تربية الطفل عليها لتكون أكبر حافظ وراعٍ للأخلاق والفضائل بعد العقل فيه.

ويتصف الأطفال الخجولون بأنهم يصدون ببصرهم أو يحولونه حين التوجيه والإرشاد، ويحاولون أن يكونوا بعيدين عن الأنظار. وبالطبع فهذا ليس سوءا بصورة كلية، بل ربما كان تحويل النظر تعبيرا عن استنكار الفعل المرتكَب، فالمعروف أن الذي يخجل أو يستحي فحياؤه يمنعه من إتيان الأفعال غير المقبولة والرذيلة، وكما جاء في القول السائر “إذا لم تستحِ تفعل ما شئت”، ومن هنا فالحياء أو الخجل عند الطفل ينبغي توجيهه في هذا الاتجاه على طريق بناء شخصية أخلاقية، أما الخجل أو الحياء الذي يعيق شخصية الطفل من الاستفادة من فرص الحياة مستقبلا، ويكبح فيه عنصر الهمة والفاعلية والنشاط في ميدان الإيجاب والأفعال الخيرة فهذا مما ينبغي تفاديه. ويقرر الخبراء أن الخجل جزء من عملية نمو وتطور الضمير، إنه يسلح الطفل بمفاهيم وحدود تستنكر الأفعال والممارسات المذمومة وغير المقبولة عقلا، كإيذاء القطة المنزلية على سبيل المثال، وإذا لم يتعلم الطفل الحياء من إتيان الأفعال غير المقبولة عقلا، فإنه سيكون مصدر مشاكل ومتاعب لوالديه وللآخرين حينما يبلغ السنة الثانية أو الثالثة من عمره.

وعليه عندما يتعلم الأطفال التكلم، يمكن لوالديهم أن يبدأوا بتعليمهم الأخلاق وحب الغير (الغَيرية) بما يتناسب ومستوى إدراكهم العقلي، ومن المفضل أن يُشمَل الأطفال في سلوك والديهم لتعليمهم الخلق، كأبسط مثال، أن  يقول الوالد لطفله : دعنا نقول مع بعض: “شكرا لك” لشخص أسدى صنيعا جميلا أو قام بفعل حسن لنا. وإشراك الأطفال في السلوك يكون له أثر أكبر من مجرد الأوامر المباشرة، كما أن هذا الأسلوب يغرس في نفس الطفل معنى أن فعلا معينا (مثل تقديم الشكر للآخرين) ينتمي لفريق أو مجموعة، وهو بهذا يتعلم العمل الخطوات الأولى للعمل ضمن فريق. وحينا يبلغ الأطفال سن الثانية، وحتى حينما يكونون بمفردهم، تجدهم يبدون شعورا بأن والديهم يقومون بتوجيههم وإرشادهم.

وفي تجربة، قام أحد الأطباء النفسيين بإغراء أو حث مجموعة من الأطفال الدارجين على اللعب بلعب محظورة عليهم من قبل أمهاتهم. وبصورة ملحوظة تبين أن الأطفال قاوموا وامتنعوا عن اللعب بتلك اللعب، مع أن أمهاتهم كانوا خارج الغرفة التي كانوا فيها. وقال أحد الدارجين تعبيرا عن ذلك الموقف: “ألا تسمع أمي؟ إن من الأفضل لي أن لا ألعب بتلك الألعاب”.

وكما يتعلم الأطفال كيف يقلدون في مجال التكلم والإيماءات والإشارات، يمكنهم أن يحاكوا ويقلدوا الصور الأخلاقية التي يشاهدونها ويعيشونها، وهذا مبدأ رئيس في مجال تعليم الأطفال الأخلاق والفضائل منذ نعومة أظفارهم، ولا ريب أن الأنماط والأشكال الجيدة تساعد كثيرا في هذا السبيل.  خذ على سبيل المثال أن رئيس العمل اتصل هاتفيا بوالد الطفل، فقال الوالد لطفله: “قل له إنني لست موجودا”، إنه يرى بأم عينه أن والده موجودا، لكنه مع هذا يؤمر بالقول بأن والده غير موجود، وفي هذا نوع من الكذب، وهذه الصورة ترتسم في ذهن الطفل، وربما يطبقها مع غيره مستقبلا باللجوء إلى نفس الأسلوب. في الطرف المقابل تقديم باقة من الشكر والتقدير والاحترام للزوج (زوج أو زوجة) ستؤدي إلى انطباعات جيدة في ذهن الطفل سيقوم هو باستعمالها فيما بعد في تصرفاته.

وهكذا فكل يوم يمر على الطفل هو يوم مدرسة وتعليم وتعلم إذا توفر على تطور في مجال البناء الأخلاقي إضافة إلى المجال المعرفي. فكما نهتم بأولادنا في التعليم المعرفي بأن نساعدهم في فهم المسائل والأمور الصعبة عليهم، وفي أداء واجباتهم المنزلية، كذلك ينبغي أن نهتم بهم في مجال البناء الأخلاقي بأن نعلمهم مبادئ الأخلاق والفضائل ونربيهم عليها.

بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى