بعد الدّلال يكون الشقاء: الأطفال بين الحب الغير متوازن ومتطلبات الشخصية المدبرة

يبدأ أحد الآباء قصته مع إبن له فيقول: لي إبن أحبه حبا جمًّا، وما من طلب يطلبه مني إلا وأحققه له، فهو يمتلك مجموعة كبيرة من الألعاب المتنوعة ووسائل التسلية. لقد طلب مني -ذات مرة- أن أشتري له دراجة هوائية، فاشتريت له. وبعد مدة كنت والعائلة ذات يوم نتجول في السوق، فمررنا على محل لبيع الدراجات الهوائية، فتوقف عنده كبغل حرون: وقال: أبي، هل لك أن تشتري لي هذه وهو يشير إلى دراجة هوائية؟ قلت له: بني! وماذا عن الدراجة التي اشتريتها لك من قبل؟ فقال: إنها لا تعجبني، وأصر على أن أشتري له هذه الدراجة فاشتريتها له على في نهاية الأمر، مع أن الدراجة الأولى جديدة ولا بأس بها. وفي أحيان يطلب مني أمورا تضعني في إحراج وترفع الضغط في جسمي. وأتذكر أنني ذات يوم كنت زائرا لأقاربي، وفي أثناء الزيارة حان وقت العشاء، فأحضر لنا الأقارب طعام العشاء، فجلسنا على السفرة مع الأقارب، لكني وجدت إبني ممتنعا عن الأكل، فطلبت منه أن يشارك معنا، فنظر إلي طامعا، وقال: أريدك يأبي أن تشتري لي أكلا من الخارج، هلا أحضرت لي شطيرة من المطعم؟ قلت له: هذا الطعام موجود أمامك، ولماذا من المطعم؟ فقال: لا أريد من هذا الطعام، وإنما أريد من المطعم، وأصر على ذلك. فما كان مني إلا أن انصعت لطلبه وخرجت وأحضرت له من المطعم ما أراد. وفي أحيان كان يختلق لي أمورا تجعل الدم يفور في وجهي، لكنني تحت ضغطه وإصراره وضيق مزاجه لا أملك إلا أن أنفذ له ما يريد، وإن لم أنفذ تجده يقيم الدنيا ولا يقعدها علي. وكان لنا خدامة، وكان إبني يتأمر عليها في كل شيء، وكانت بفعل كونها مستخدمة لا تملك إلا أن تقوم له بكل شيء يطلبه. كان اتكاليا بكل ما للكلمة من معنى، إذ كان يأمر الخدامة بالقيام حتى بأبسط الأمور، مثل وضع المعجون على فرشاة الأسنان، وكان في أحيان يضعها في مواقف محرجة تجعلها غاضبة وعصبية. وإذ أنظر اليوم إلى إبني أجده شخصا ضعيف التحمل، لا يتحمل كلمة “لا” مني أو من أمه أو من أي أحد، وبمجرد أن أواجهه أو يواجهه أحد غيري بكلمة “لا” تجده يزعل، ويتحول إلى شخص واجم، عنيد، وعصبي، وكل ذلك يعود إلى مناخ التدليل الذ ربيته فيه وعودته عليه، الأمر الذي جعلني أعيد النظر في أسلوب التربية والتعامل معه.

تشترك كثير من الحيوانات مع الإنسان في غريزة الحب الأبوي للأبناء، فنجد أغلب الحيوانات تعطف على صغارها، وتقدم لهم الدفء والحب والدفاع والحماية إضافة إلى تقديم الطعام. وكلنا قد شاهد على الطبيعة أو من على شاشة التلفاز كيف أن العصافير أو الطيور تقوم بجمع الطعام كالحشرات أو الزواحف أو صغار السمك لتلقمها لصغارها. لكن هذه الغريزة في الإنسان هي في أعلاها، وذلك لأنه سيد المخلوقات، ويتميز عليها بنعمة العقل، تلك النعمة العظيمة التي ميزه الباري جل وعلا بها وكرمه وشرفه على سائر المخلوقات، ومكنه بها من الحرية واستعمال الإرادة والاختيار. ومن هنا فكل أب وأم يحبان أبناءهما من أعماقهما، فطرة مفطوران عليها، ويبذلان الغالي والنفيس من أجل رفاههم وسعادتهم.

ولكن السؤال هنا: كيف يمكن تحقيق تلك السعادة؟ وما هي الطريقة التي بها يتصف الأطفال بالمهارات والملكات التي تجعل منهم أفرادا مؤهلين مدبرين؟ هل بالحب غير المتوازن الذي يفقد الطفل الشعور بالحدود، ويجعله لينا، مائعا، وبعيدا عن ملكات الشخصيات المدبرة؟

بقلم: السيد رضا علوي السيد أحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى